للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طلحة بن مصرف «حسنى» على وزن فعلى، واختلف في وجهه فقيل: هو مصدر كرجعى، واعترضه أبو حيان بأنه غير مقيس لم يسمع فيه، وقيل: هو صفة كحبلى أي مقالة أو كلمة «حسنى» وفي الوصف بها وجهان «أحدهما» أن تكون باقية على أنها للتفضيل واستعمالها بغير الألف واللام والإضافة للمعرفة نادر وقد جاء ذلك في الشعر كقوله:

وإن دعوت إلى جلى ومكرمة ... يوما كرام سراة الناس فادعينا

«وثانيهما» أن تجرد عن التفضيل فتكون بمعنى- حسنة- كما قالوا ذلك في «يوسف أحسن إخوته» وقرأ الجحدري «إحسانا» على أنه مصدر أحسن الذي همزته للصيرورة كما تقول: أعشبت الأرض إعشابا أي صارت ذا عشب وحينئذ نعت لمصدر محذوف أي قولا ذا حسن وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ أراد سبحانه بهما افرض عليهم في ملتهم لأنه حكاية لما وقع في زمان موسى عليه السلام وكانت زكاة أموالهم- كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قربانا تهبط إليها نار فتحملها- وكان ذلك علامة القبول- وما لا تفعل النار به كذلك كان غير متقبل، والقول بأن المراد بهما هذه الصلاة وهذه الزكاة المفروضتان علينا، والخطاب لمن بحضرة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم من أبناء اليهود لا غير، والأمر بهما كناية عن الأمر بالإسلام، أو للإيذان بأن الكفار مخاطبون بالفروع أيضا ليس بشيء كما لا يخفى ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ أي أعرضتم عن الميثاق ورفضتموه. وثُمَّ للاستبعاد أو لحقيقة التراخي فيكون توبيخا لهم بالارتداد بعد الانقياد مدة مديدة وهو أشنع من العصيان من الأول، وقد ذكر بعض المحققين أنه إذا جعل ناصب الظرف خطابا له صلى الله تعالى عليه وسلم والمؤمنين فهذا التفات إلى خطاب بني إسرائيل جميعا بتغليب أخلافهم على أسلافهم لجريان ذكرهم كلهم حينئذ على نهج الغيبة، فإن الخطابات السابقة للأسلاف محكية بالقول المقدر قبل لا تعبدون كأنهم استحضروا عند ذكر جناياتهم فنعيت عليهم- وإن جعل خطابا لليهود المعاصرين- فهذا تعميم للخطاب بتنزيل الأسلاف منزلة الأخلاف كما أنه تعميم للتولي بتنزيل الأخلاف منزلة الأسلاف للتشديد في التوبيخ، وقيل: الالتفات إنما يجيء على قراءة لا يعبدون بالغيبة، وأما على قراءة الخطاب- فلا التفات- ومن الناس من جعل هذا الخطاب خاصا بالحاضرين في زمنه عليه الصلاة والسلام وما تقدم خاصا بمن تقدم، وجعل الالتفات على القراءتين لكنه بالمعنى الغير المصطلح عليه أن (١) كون الالتفات بين خطابين لاختلافهما لم يقل به أهل المعاني- لكنه وقع مثله في كلام بعض الأدباء- وما ذكرناه من التغليب أولى وأحرى خلافا لمن التفت عنه.

إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وهم من الأسلاف من أقام اليهودية على وجهها قبل النسخ، ومن الأخلاف من أسلم كعبد الله بن سلام وأضرابه فالقلة في عدد الأشخاص، وقول ابن عطية: إنه يحتمل أن تكون في الإيمان أي لم يبق حين عصوا وكفر آخرهم بمحمد صلّى الله عليه وسلّم إلا إيمان قليل إذ لا ينفعهم لا يقدم عليهم إلا القليل ممن لم يعط فهما في الألفاظ العربية، وروي عن أبي عمرو وغيره رفع قليل والكثير المشهور في أمثال ذلك النصب لأن ما قبله موجب، واختلفوا في تخريج الرفع فقيل: إن المرفوع تأكيد للضمير أو بدل منه، وجاز لأن تَوَلَّيْتُمْ في معنى النفي أي لم يفوا،

وقد خرج غير واحد قوله: صلّى الله عليه وسلّم فيما صح على الصحيح: «العالمون هلكى إلا العالمون، والعالمون هلكى إلا العاملون، والعاملون هلكى إلا المخلصون، والمخلصون على خطر»

وقول الشاعر:

وبالصريمة منهم منزل خلق ... عاف تغير إلا النوء والوتد


(١) والظاهر أنه تعليل لغير المصطلح عليه، وعليه المناسب الإتيان باللام أي لأن، ادارة.

<<  <  ج: ص:  >  >>