على ذلك، وقول أبي حيان إنه ليس بشيء إذ ما من إثبات إلا ويمكن تأويله بنفي فيلزم جواز قام القوم إلا زيد بالرفع على التأويل والإبدال- ولم يجوزه النحويون- ليس بشيء كما لا يخفى، وقيل: إن إِلَّا صفة بمعنى غير ظهر إعرابها فيما بعدها، وقد عقد سيبويه لذلك بابا في كتابه فقال: هذا باب ما يكون فيه إلا وما بعدها وصفا بمنزلة غير ومثل، وذكر من أمثلة هذا الباب لو كان معنا رجل إلا زيد لغلبنا لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا [الأنبياء: ٢٢] وقوله:
أينخت فألقت بلدة فوق بلدة ... قليل بها الأصوات إلا بغامها
وخرج جمع جميع ما سلف على هذا، وفيه أن ذلك فيما نحن فيه لا يستقيم إلا على مذهب ابن عصفور حيث ذهب إلى أن الوصف ب إِلَّا يخالف الوصف بغيرها من حيث إنه يوصف بها النكرة والمعرفة، والظاهر والمضمر وأما على مذهب غيره- وهو ابن شاهين- بالنسبة إليه من أنه لا يوصف بها إلا إذا كان الموصوف نكرة أو معرفة- بلام الجنس- فلا، والمبرد يشترط في الوصف بها صلاحية البدل في موضعه وقيل: إنه مبتدأ خبره محذوف أي لم يقولوا- ولا يرد عليه شيء مما تقدم- إلا أن فيه كلاما سنذكره إن شاء الله تعالى عند قوله تعالى: إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ [الأعراف: ١١] وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ جملة معترضة أي وأنتم قوم عادتكم الإعراض والتولي عن المواثيق، ويؤخذ كونه عادتهم من الاسمية الدالة على الثبوت، وقيل: حال مؤكدة- والتولي والإعراض شيء واحد- ويجوز فصل الحال المؤكدة- بالواو- عند المحققين وفرق بعضهم بين التولي والإعراض بأن الأول قد يكون لحاجة تدعو إلى الانصراف مع ثبوت العقد والإعراض هو الانصراف عن الشيء بالقلب، وقيل: إن التولي أن يرجع عوده إلى بدئه، والإعراض أن يترك المنهج ويأخذ في عرض الطريق والمتولي أقرب أمرا من المعرض لأنه متى عزم سهل عليه العود إلى سلوك المنهج والمعرض حيث ترك المنهج واحد في عرض الطريق يحتاج إلى طلب منهجه فيعسر عليه العود إليه. ومن الناس من جوز أن يكون معرضون على ظاهره، والجملة حال مقيدة أي لم يتول القليل وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ عنهم ساخطون لهم فيكون وفي ذلك مزيد توبيخ لهم ومدحا للقليل- فهو بعيد- كالقول بأنها مقيدة ومتعلق التولي والإعراض مختلف أي توليتم على المضي في الميثاق وأعرضتم عن اتباع هذا النبي صلّى الله عليه وسلّم. وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ على نحو ما سبق في لا تَعْبُدُونَ والمراد أن لا يتعرض بعضكم بعضا بالقتل والإجلاء وجعل قتل الرجل غيره قتل نفسه لاتصاله نسبا أو دينا، أو لأنه يوجبه قصاصا، ففي الآية مجاز، إما في ضمير- كم- حيث عبر به عمن يتصل به أو في تَسْفِكُونَ حيث أريد به ما هو سبب السفك. وقيل: معناه لا ترتكبوا ما يبيح سفك دمائكم وإخراجكم من دياركم، أو لا تفعلون ما يرديكم ويصرفكم عن لذات الحياة الأبدية فإنه القتل في الحقيقة ولا تقترفوا ما تمنعون به عن الجنة التي هي داركم، وليس النفي في الحقيقة جلاء الأوطان بل البعد من رياض الجنان ولعل ما يساعده سياق النظم الكريم هو الأول. و «الدماء» جمع دم معروف وهو محذوف- اللام- وهي- ياء- عند بعض لقوله:
جرى الدميان بالخبر اليقين
وواو- عند آخرين لقولهم دموان ووزنه فعل أو فعل، وقد سمع مقصورا وكذا مشددا، وقرأ طلحة وشعيب «تسفكون» - بضم الفاء- وأبو نهيك- بضم التاء وفتح السين وكسر الفاء مشددة- وابن أبي إسحاق كذلك إلا أنه سكن السين وخفف الفاء ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ أي بالميثاق واعترفتم بلزومه خلفا بعد سلف فالإقرار ضد الجحد ويتعدى- بالباء- قيل ويحتمل أنه بمعنى إبقاء الشيء على حاله من غير اعتراف به- وليس بشيء- إذ لا يلائمه حينئذ وَأَنْتُمْ