للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَشْهَدُونَ

حال مؤكدة رافعة احتمال أن يكون الإقرار ذكر أمر آخر لكنه يقتضيه، ولا يجوز العطف لكمال الاتصال ولا الاعتراض إذ ليس المعنى وأنتم عادتكم الشهادة بل المعنى على التقييد (١) وقيل: وأنتم أيها الموجودون تشهدون على إقرار أسلافكم فيكون إسناد الإقرار إليهم مجازا، وضعف بأن يكون حينئذ استبعاد القتل والإجلاء منهم مع أن أخذ الميثاق والإقرار كان من أسلافهم لاتصالهم بهم نسبا ودينا بخلاف ما إذا اعتبر نسبة الإقرار إليهم على الحقيقة فإنه يكون بسبب إقرارهم وشهادتهم- وهو أبلغ في بيان قبيح صنيعهم- وادعى بعضهم أن «الأظهر» أن المراد أقررتم حال كونكم شاهدين على إقراركم بأن شهد كل أحد على إقرار غيره كما هو طريق الشهادة ولا يخفى انحطاط المبالغة حينئذ.

ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ نزلت- كما في البحر- في بني قينقاع وبني قريظة وبني النضير من اليهود، كان بنو قينقاع أعداء بني قريظة، وكانت الأوس حلفاء بني قينقاع، والخزرج حلفاء بني قريظة، والنضير والأوس والخزرج إخوان، وبنو قريظة والنضير إخوان- ثم افترقوا- فصارت بنو النضير حلفاء الخزرج، وبنو قريظة حلفاء الأوس، فكانوا يقتتلون ويقع منهم ما قص الله تعالى، فعيرهم الله تعالى بذلك. وثُمَّ للاستبعاد في الوقوع- لا للتراخي في الزمان- لأنه الواقع في نفس الأمر- كما قيل به- وأَنْتُمْ مبتدأ، وهؤُلاءِ خبره على معنى أَنْتُمْ بعد ذلك المذكور من الميثاق والإقرار والشهادة هؤُلاءِ الناقضون، كقولك: أنت ذلك الرجل الذي فعل كذا، وكان مقتضى الظاهر، ثُمَّ أَنْتُمْ بعد ذلك التوكيد في الميثاق نقضتم العهد ف تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ إلخ أي صفتكم الآن غير الصفة التي كنتم عليها، لكن أدخل هؤُلاءِ وأوقع خبرا ليفيد أن الذي تغير هو الذات نفسها نعيا عليهم لشدة (٢) وكادت الميثاق ثم تساهلهم فيه وتغيير الذات فهم من وضع اسم الإشارة الموضوع للذات موضع الصفة لا من جعل ذات واحد في خطاب واحد مخاطبا وغائبا، وإلا لفهم ذلك من نحو بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ [النمل: ٥٥] أيضا. وصح الحمل مع اعتبار التغير لأنه ادعائي- وفي الحقيقة واحد- وعدوا حضورا مشاهدين باعتبار تعلق العلم بما أسند إليهم من الأفعال المذكورة سابقا وغيبا باعتبار عدم تعلق العلم بهم لما سيحكى عنهم من الأفعال بعد، لا لأن المعاصي توجب الغيبة عن غير الحضور إذ المناسب حينئذ الغيبة في تَقْتُلُونَ وَتُخْرِجُونَ قاله الساليكوتي، وتَقْتُلُونَ إما حال والعامل فيه معنى الإشارة أو بيان كأنه لما قيل ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ قالوا كيف نحن فجيء ب تَقْتُلُونَ تفسيرا له، ويحتمل أن تجعل مفسرة لها من غير تقدير سؤال، وذهب ابن كيسان وغيره إلى أن أَنْتُمْ مبتدأ وتَقْتُلُونَ الخبر وهؤُلاءِ تخصيص للمخاطبين لما نبهوا على الحال التي هم عليها مقيمون فيكون إذ ذاك منصوبا بأعني وفيه أن النحاة نصوا على أن التخصيص لا يكون بأسماء الإشارة ولا بالنكرة والمستقر من لسان العرب أنه يكون بأيتها كاللهم اغفر لنا أيتها العصابة وبالمعرف- باللام- كنحن العرب أقرى الناس للضيف- أو الإضافة كنحن معاشر الأنبياء لا نورث- وقد يكون بالعلم- كبنا تميما نكشف الضبابا. وأكثر ما يأتي بعد ضمير متكلم- وقد يجيء بعد ضمير المخاطب- كبك الله نرجو الفضل، وقيل: هؤُلاءِ تأكيد لغوي «لأنتم» فهو إما بدل منه أو عطف بيان عليه وجعله من التأكيد اللفظي بالمرادف توهم، والكلام على هذا خال عن تلك النكتة، وقيل: هؤلاء بمعنى الذين والجملة صلته


(١) والفرق بين الوجهين أن صرف الخطاب من المجاز إلى الحقيقة مبتدأ من قوله ثم أقررتم على الأول ومن ثم أنتم تشهدون على الثاني فافهم اهـ منه.
(٢) هكذا الأصل، وعبارة الشهاب هكذا ليفيد أن الذي تغير هو الذات بعينها نعيا عليهم بشدة وكأنه أخذ الميثاق ثم تساهلهم فيه اهـ ولعل في النسخة تحريفا، إدارة.

<<  <  ج: ص:  >  >>