نرجو أن يبل به الغليل، هذا والعلماء درجات والله تعالى الموفق لفهم الدقائق فتأمل مرة وثانية وثالثة فلعل الله سبحانه أن يفتح عليك غير ذلك، وما ذكر من تساوي الأجسام مبني على ما قيل على تركبها من الجواهر الفردة وفيه خلاف النظام والفلاسفة، والبحث في ذلك طويل، ولا يستدل على الاستحالة بلزوم الخرق والالتئام، وقد برهنوا على استحالة ذلك لأنا نقول: إن برهانهم على ذلك أوهن من بيت العنكبوت كما بين في محله، ولم تتعرض الآية لأنه صلّى الله عليه وسلّم كان في الإسراء به محمولا على شيء لكن صحت الأخبار بأنه عليه الصلاة والسلام أسري به على البراق إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وهو بيت المقدس، ووصفه بالأقصى أي الأبعد بالنسبة إلى من بالحجاز، وقال غير واحد: إنه سمي به لأنه أبعد المساجد التي تزار من المسجد الحرام وبينهما نحو من أربعين ليلة، وقيل: لأنه ليس وراءه موضع عبادة فهو أبعد مواضعها، وقال ابن عطية: يحتمل أن يراد بالأقصى البعيد دون مفاضلة بينه وبين ما سواه وهو بعيد في نفسه للزائرين، وقيل المراد بعده عن الأقذار والخبائث. واختلف في ركوب جبريل عليه السلام معه فقيل: ركب خلفه عليه الصلاة والسلام. والصحيح أنه لم يركب بل أخذ بركابه وميكائيل يقود البراق. واختلف أيضا في استمراره عليه عليه الصلاة والسلام في عروجه إلى السماء فقيل: عرج عليه، والصحيح أنه نصب له معراج فعرج عليه، وجاء في وصفه وعظمه ما جاء، ووهم الحافظ ابن كثير كما قال الحلبي القائلين ومنهم صاحب الهمزية إن عروجه صلّى الله عليه وسلّم على البراق. ومن الأكاذيب المشهورة أنه صلّى الله عليه وسلّم لما أراد العروج صعد على صخرة بيت المقدس وركب البراق فمالت الصخرة وارتفعت لتلحقه فأمسكتها الملائكة ففي طرف منها أثر قدمه الشريف وفي الطرف الآخر أثر أصابع الملائكة عليهم السلام فهي واقفة في الهواء قد انقطعت من كل جهة لا يمسكها إلا الذي يمسك السماء أن تقع على الأرض سبحانه وتعالى، وذكر العلائي في تفسيره أنه كان للنبي عليه الصلاة والسلام
ليلة الإسراء خمسة مراكب، الأول البراق إلى بيت المقدس، الثاني المعراج منه إلى السماء الدنيا، الثالث أجنحة الملائكة منها إلى السماء السابعة، الرابع جناح جبريل عليه السلام منها إلى سدرة المنتهى، الخامس الرفرف منها إلى قاب قوسين، ولعل الحكمة في الركوب إظهار الكرامة وإلا فالله سبحانه وتعالى قادر على أن يوصله إلى أي موضع أراد في أقل من طرفة عين، وقيل لم يكن إلا البراق من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى والمعراج منه إلى حيث شاء الله تعالى وقد كان له عشر مراقي سبعة إلى السموات والثامن إلى السدرة والتاسع إلى المستوي الذي سمع فيه صريف الأقلام والعاشر إلى العرش والله تعالى أعلم.
ومن العجائب ما سمعته عن الطائفة الكشفية والعهدة على الراوي أن للروح جسدين جسد من عالم الغيب لطيف لا دخل للعناصر فيه وجسد من عالم الشهادة كثيف مركب من العناصر والنبي صلّى الله عليه وسلّم حين عرج به ألقى كل عنصر من عناصر الجسد العنصري في كرته فما وصل إلى تلك القمر حتى ألقى جميع العناصر ولم يبق معه إلا الجسد اللطيف فرقى به حيث شاء الله تعالى، ثم لما رجع عليه الصلاة والسلام رجع إليه ما ألقاه واجتمع فيه ما تفرق منه، ولعمري أنه حديث خرافة لا مستند له شرعا ولا عقلا.
وذكر مولانا عبد الرحمن الدشتي ثم الجامي أن المعراج إلى العرش بالروح والجسد وإلى ما وراء ذلك بالروح فقط وأنشد بالفارسية:
جو رفرف شد مشرف از وجودش ... كرفت از دست رفرف عرش زودش
بدست عرش تن جون خرقه بگذاشت ... علم بر لا مكان بي خرقه افراشت
كلى برد ندا زين دهليزه يست ... بدان دركاه والا دست بر دست
جهت را مهره از ششدر رهانيد ... مكانرا مركب از تنكي جهانيد