مكاني يافت خالي از مكان نيز ... كه تن محرم نبود آنجا وجان نيز
ولم أقف على مستند له من الآثار وكأنه لاحظ أن العروج فوق العرش بالجسد يستدعي مكانا، وقد تقرر عند الحكماء أن ما وراء العرش لا خلا ولا ملا وبه تنتهي الأمكنة وتنقطع الجهات، وقال بعضهم: أمر المعراج أجل من أن يكيف وماذا عسى يقال سوى أن المحب القادر الذي لا يعجزه شيء دعا حبيبه الذي خلقه من نوره إلى زيارته وأرسل إليه من أرسل من خواص ملائكته فكان جبريل هو الآخذ بركابه وميكائيل الآخذ بزمام دابته إلى أن وصل إلى ما وصل ثم تولى أمره سبحانه بما شاء حتى حصل فأي مسافة تطول على ذلك الحبيب الرباني وأي جسم يمتنع عن الخرق لذلك الجسد النوراني:
جز بحزوى فثم عالم لطف ... من بقايا أجساده الأرواح
ومن تأمل في العين وإحساسها بالقريب والبعيد ولو كان فاقدها وذكر له حالها لأنكر ذلك إنكارا ما عليه مزيد، وكذا في غير ذلك من آثار قدرة الله تعالى الظاهرة في الأنفس والآفاق والواقع على جلالة قدرها الاتفاق لم يسعه إلا تسليم ما نطقت به الآيات وصحت به الروايات، ويشبه كلام هذا البعض ما قاله بعض شعراء الفرس إلا أن فيه ميلا إلى مذهب أهل الوحدة وهو قوله:
قصه بيرنگ معراج از من بيدل مپرس ... قطره دريا كشت وبيغمر نميدانم چهـ شد
والظاهر أن المسافة التي قطعها عليه الصلاة والسلام في مسيره كانت باقية على امتدادها. ويؤيد ذلك ما ذكره الثعلبي في تفسيره في وصف البراق أنه إذا أتى واديا طالت يداه وقصرت رجلاه وإذا أتى عقبة طالت رجلاه وقصرت يداه وكانت المسافة في غاية الطول، ففي حقائق الحقائق كانت المسافة من مكة إلى المقام الذي أوحى الله تعالى فيه إلى نبيه عليه الصلاة والسلام ما أوحى قدر ثلاثمائة ألف سنة، وقيل: خمسين ألفا، وقيل غير ذلك، وأنه ليس هناك طي مسافة على نحو ما يثبته الصوفية وبعض الفقهاء للأولياء كرامة، وجهل بعض الحنفية مثبتيه لهم وكفرهم آخرون وليس له وجه ظاهر، وربما يلزم مثبتيه القول بتداخل الجواهر والفلاسفة والمتكلمون سوى النظام يحيلونه ويبرهنون على استحالته، وادعى بعضهم الضرورة في ذلك وقالوا: المنع مكابرة، وقد أثبت الصوفية للأولياء نشر الزمان ولهم في ذلك حكايات عجيبة والله تعالى أعلم بصحتها، ولم أر من تعرض لذلك من المتشرعين وهو أمر وراء عقولنا المشوبة بالأوهام، ومثله في ذلك قول من قال: الأزل والأبد نقطة واحدة الفرق بينهما بالاعتبار، وليس لفهم ذلك عندي إلا المتجردون من جلابيب أبدانهم وقليل ما هم، وسيأتي إن شاء الله تعالى في باب الإشارة حكاية إنكار طي المسافة أيضا وذكر ما فيه والله تعالى الموفق.
وإنما أسرى به صلّى الله عليه وسلّم ليلا لمزيد الاحتفال به عليه الصلاة والسلام فإن الليل وقت الخلوة والاختصاص ومجالسة الملوك ولا يكاد يدعو الملك لحضرته ليلا إلا من هو خاص عنده وقد أكرم الله تعالى فيه قوما من أنبيائه عليهم السلام بأنواع الكرامات وهو كالأصل للنهار، وأيضا لاهتداء فيه للمقصد أبلغ من الاهتداء في النهار، وأيضا قالوا: إن المسافر يقطع في الليل ما لا يقطع في النهار ومن هنا جاء عليكم بالدلجة فإن الأرض تطوي بالليل ما لا تطوي بالنهار، وأيضا أسرى به ليلا ليكون ما يعرج إليه من عالم النور المحض أبعد عن الشبه بما يعرج منه من عالم الظلمة وذلك أبلغ في الإعجاب.
وقال ابن الجوزي في ذلك: إن النبي صلّى الله عليه وسلّم سراج والسراج لا يوقد إلا ليلا وبدر وكذا مسير البدر في الظلم إلى غير ذلك من الحكم التي لا يعلمها إلا الله تعالى، ثم إن الآية ليست نصا في دخوله عليه الصلاة والسلام المسجد