للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بنبينا صلّى الله عليه وسلّم وهو أول من بشر به عليه الصلاة والسلام بعد بشارة التوراة، والأخرى قتل زكريا ويحيى عليهما السلام، ومن قال: إن زكريا مات في فراشه اقتصر على يحيى عليه السلام، واختلف في سبب قتله فعن ابن عباس وغيره أن سبب ذلك أن ملكا أراد أن يتزوج من لا يجوز له تزوجها فنهاه يحيى عليه السلام وكان الملك قد عود تلك المرأة أن يقضي لها كل عيد ما تريد منه فعلمتها أمها أن تسأله دم يحيى في بعض الأعياد فسألته فأبى فألحت عليه فدعا بطست فذبحه فيه فبدرت قطرة على الأرض فلم تزل تغلي حتى قتل عليها سبعون ألفا.

وقال الربيع بن أنس: إن يحيى عليه السلام كان حسنا جميلا جدا فراودته امرأة الملك عن نفسه فأبي فقالت لا بنتها: سلي أباك رأس يحيى فسألته فأعطاها إياه، وقال الجبائي: إن الله تعالى ذكر فسادهم في الأرض مرتين ولم يبين ذلك فلا يقطع بشيء مما ذكر وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً لتستكبرن عن طاعة الله تعالى أو لتغلبن الناس بالظلم والعدوان وتفرطن في ذلك إفراطا مجاوزا للحد، وأصل معنى العلو الارتفاع وهو ضد السفل وتجوز به عن التكبر والاستيلاء على وجه الظلم. وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما «عليا كبيرا» بكسر العين واللام والياء المشددة، قال في البحر:

والتصحيح في فعول المصدر أكثر بخلاف الجمع فإن الإعلال فيه هو المقيس وشذ التصحيح نحو لهو ومهو خلافا للفراء إذ جعل ذلك قياسا فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما أي أولى مرّتي الإفساد.

والوعد بمعنى الموعود مراد به العقاب كما في البحر وفي الكلام تقدير أي فإذا حان وقت حلول العقاب الموعود، وقيل الوعد بمعنى الوعيد وفيه تقدير أيضا، وقيل بمعنى الوعد الذي يراد به الوقت أي فإذا حان موعد عقاب أولاهما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ أرسلنا لمؤاخذتكم بتلك الفعلة عِباداً لَنا وقال الزمخشري: خلينا بينهم وبين ما فعلوا ولم نمنعهم وفيه دسيسة اعتزال، وقال ابن عطية: يحتمل أن يكون الله تعالى أرسل إلى ملك أولئك العباد رسولا يأمره بغزو بني إسرائيل فتكون البعثة بأمر منه تعالى. وقرأ الحسن وزيد بن علي رضي الله تعالى عنهم «عبيدا» أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ ذوي قوة وبطش في الحروب، وقال الراغب: البؤس والبأس والبأساء الشدة والمكروه إلا أن البؤس في الفقر والحرب أكثر والبأس والبأساء في النكاية، ومن هنا قيل: إن وصف البأس بالشديد مبالغة كأنه قيل: ذوي شدة شديدة كظل ظليل ولا بأس فيه، وقيل إنه تجريد وهو صحيح أيضا. واختلف في تعيين هؤلاء العباد فعن ابن عباس وقتادة هم جالوت الجزري وجنوده، وقال ابن جبير وابن إسحاق هم سنجاريب ملك بابل وجنوده، وقيل هم العمالقة، وفي الأعلام للسهيلي هم بختنصر عامل لهراسف أحد ملوك الفرس الكيانية على بابل والروم وجنوده بعثوا عليهم حين كذبوا أرميا وجرحوه وحبسوه قيل وهو الحق.

فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ أي ترددوا وسطها لطلبكم. قال الراغب: جاسوا الديار توسطوها وترددوا بينها ويقاربه حاسوا وداسوا، وقرأ «حاسوا» بالحاء أبو السمال وطلحة، وقرىء أيضا «تجوسوا» بالجيم على وزن تكسورا.

وقال أبو زيد: الجوس والحوس طلب الشيء باستقصاء، وخِلالَ اسم مفرد ولذا قرأ الحسن «خلل» ويجوز أن يكون خلال جمع خلل كجبال جمع جبل، ويشير كلام أبي السعود إلى اختياره وكلام البيضاوي إلى اختيار الأول.

وَكانَ أي وعد أولاهما وَعْداً مَفْعُولًا محتم الفعل فضمير كانَ للوعد السابق، وقيل: للجوس المفهوم من جاسوا والجمهور على أن في هذه البعثة خرب هؤلاء العباد بيت المقدس ووقع القتل الذريع والجلاء والأسر في بني إسرائيل وحرقت التوراة، وعن ابن عباس ومجاهد أنه لم يكن ذلك وإنما جاس الغازون خلال الديار وانصرفوا بدون قتال ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ أي الدولة والغلبة، وأصل معنى الكر العطف والرجوع، وإطلاق الكرة على ما ذكر مجاز شائع كما يقال تراجع الأمر، ولام لكم للتعدية، وقيل: للتعليل، وقوله تعالى عَلَيْهِمْ أي الذين فعلوا

<<  <  ج: ص:  >  >>