للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بكم ما فعلوا متعلق بالكرة لما فيها من معنى الغلبة أو حال منها، وجوز تعلقه برددنا، وهذا على ما في البحر إخبار منه تعالى في التوراة لبني إسرائيل إلا أنه جعل رَدَدْنا موضع نرد لتحقق الوقوع، وكان بين البعث والرد على ما قيل مائة سنة وذلك بعد أن تابوا ورجعوا عما كانوا عليه. واختلف في سبب ذلك فروي أن اردشير بهمن بن إسفنديار بن كشتاسف بن لهراسف لما ورث الملك من جده كشتاسف ألقى الله تعالى في قلبه الشفقة على بني إسرائيل فرد أسراءهم الذين أتى بهم بختنصر إلى بابل وسيرهم إلى أرض الشام وملك عليهم دانيال فاستولوا على من كان فيها من أتباع بختنصر، وجعل بعضهم من آثار هذه الكرة قتل بختنصر ولم يثبت.

وفي البحران ملكا غزا أهل بابل وكان بختنصر قد قتل من بني إسرائيل أربعين ألفا ممن يقرأ التوراة وأبقى عنده بقية في بابل فلما غزاهم ذلك الملك وغلب عليهم تزوج امرأة من بني إسرائيل فطلبت منه أن يرد بني إسرائيل إلى ديارهم ففعل وبعد مدة قامت فيهم الأنبياء ورجعوا إلى أحسن ما كانوا، وقيل: رد الكرة بأن سلط الله تعالى داود عليه السلام فقتل جالوت. وتعقب بأنه يرده قوله تعالى: وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ إلخ فإن المراد به بيت المقدس وداود عليه السلام ابتدأ بناءه بعد قتل جالوت وإيتائه النبوة ولم يتمه وأتمه سليمان عليه السلام فلم يكن قبل داود عليه السلام مسجد حتى يدخلوه أول مرة، ودفع بأن حقيقة المسجد الأرض لا البناء ويحمل قوله تعالى: دَخَلُوهُ على الاستخدام وهو كما ترى، والحق أن المسجد كان موجودا قبل داود عليه السلام كما قدمنا.

وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ كثيرة بعد ما نهبت أموالكم وَبَنِينَ بعد ما سبيت أولادكم وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً مما كنتم من قبل أو من أعدائكم، والنفير على ما قال أبو مسلم كالنافر من ينفر مع الرجل من عشيرته وأهل بيته، وقال الزجاج: يجوز أن يكون جمع نفر ككلب وكليب وعبد وعبيد وهم المجتمعون للذهاب إلى العدو، وقيل: هو مصدر أي أكثر خروجا إلى الغزو كما في قول الشاعر:

فأكرم بقحطان من والد ... وحمير أكرم بقوم نفيرا

ويروى بالحميريين أكرم نفيرا، وصحح السهيلي أنه اسم جمع لغلبته في المفردات وعدم اطراد مفرده.

إِنْ أَحْسَنْتُمْ أعمالكم سواء كانت لازمة لأنفسكم أو متعدية للغير أي عملتموها على الوجه المستحسن اللائق أو فعلتم الإحسان أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ أي لنفعها بما يترتب على ذلك من الثواب وَإِنْ أَسَأْتُمْ أعمالكم لازمة كانت أو متعدية بأن عملتموها على غير الوجه اللائق أو فعلتم الإساءة فَلَها أي فالإساءة عليها لما يترتب على ذلك من العقاب فاللام بمعنى على كما في قوله: فخر صريعا لليدين وللفم، وعبر بها لمشاكلة ما قبلها.

وقال الطبري: هي بمعنى إلى على معنى فإساءتها راجعة إليها، وقيل: إنها للاستحقاق كما في قوله تعالى لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ [البقرة: ١٠ وغيرها] .

وفي الكشاف أنها للاختصاص. وتعقب بأنه مخالف لما في الآثار من تعدى ضرر الإساءة إلى غير المذنب اللهم إلا أن يقال: إن ضرر هؤلاء القوم من بني إسرائيل لم يتعدهم، وفيه أنه تكلف لا يحتاج إليه لأن الثواب والعقاب الأخرويين لا يتعديان وهما المراد هنا، وقيل: اللام للنفع كالأولى لكن على سبيل التهكم، وتعميم الإحسان ومقابله بحيث يشملان المتعدي واللازم هو الذي استظهره بعض المحققين وفسر الإحسان بفعل ما يستحسن له ولغيره والإساءة بضد ذلك وقال: إنه أنسب وأتم ولذا قيل إن تكرير الإحسان في النظم الكريم دون الإساءة إشارة إلى أن جانب الإحسان أغلب وأنه إذا فعل ينبغي تكراره بخلاف ضده،

وجاء عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه قال: ما أحسنت إلى أحد ولا أسأت إليه وتلا الآية

، ووجه مناسبتها لما قبلها على ما قال القطب أنه لما عصوا سلط الله تعالى عليهم من

<<  <  ج: ص:  >  >>