للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِنَ اللَّيْلِ قيل أي وعليك بعض الليل، وظاهره أنه من باب الإغراء كما نقل عن الزجاج وأبي البقاء في قوله تعالى: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ وتعقبه أبو حيان بأن المغرى به لا يكون حرفا، ولا يجدي نفعا كون من للتبعيض لأن ذلك لا يجعلها اسما ألا ترى إجماع النحاة على أن واو مع حرف وإن قدرت بمع، وأجيب بأنه يحتمل أن يكون القائل بذلك قائلا باسمية مِنَ في مثل ذلك كما قالوا باسمية الكاف في نحو فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ [الفيل: ٥] وعن في نحو من عن يمين تارة وشمالي وعلى نحو من عليه، وكذا القائل بأن ذلك نصب على الظرفية بمقدر أي وقم بعض الليل، واختار الحوفي أن من متعلقة بفعل دل عليه معنى الكلام أي وأسهر من الليل فالفاء في قوله تعالى:

فَتَهَجَّدْ بِهِ إما عاطفة على ذلك المقدر أو مفسرة بناء على أنه من أسلوب وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ [البقرة: ٤٠] وفي الكشف أن الإغراء هو الظاهر هاهنا بخلافه فيما تقدم لأن النصب على التفسير والصلات مختلفة لا يتضح كل الاتضاح، ومعنى الإغراء من السابق واللاحق تتعاضد الأدلة عليه، وفيه منع ظاهر، والتهجد على ما نقل عن الليث الاستيقاظ من النوم للصلاة ويطلق على نفس الصلاة بعد القيام من النوم ليلا يقال: تهجد أي صلى في الليل بعد الاستيقاظ وكذا هجد وهذا يقتضي سابقية النوم في تحقق التهجد فلو لم ينم وصلى ما شاء لا يقال له تهجد، وهو المروي عن مجاهد والأسود وعلقمة وغيرهم، وقال المبرد: هو السهر للصلاة أو لذكر الله تعالى، وقيل: السهر للطاعة وظاهره عدم اشتراط سابقية النوم في تحققه، والمشهور أن ذلك يسمى قياما وما بعد النوم يسمى تهجدا، وأغرب الحجاج بن عمرو المازني فإنه روي عنه أنه قال: أيحسب أحدكم إذا قام من الليل فصلى حتى يصبح أنه قد تهجد إنما التهجد الصلاة بعد الرقاد ثم صلاة أخرى بعد رقدة ثم صلاة أخرى بعد رقدة هكذا كانت صلاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنا أقول: إن تخلل النوم بين الصلوات جاء في صحيح مسلم من رواية حصين عن حبيب بن أبي ثابت، وهي مما استدركها الدارقطني على مسلم لاضطرابها فقد قال وروي عنه على سبعة أوجه وخالف فيه الجمهور يعني الخبر الذي فيه تخلل النوم، والكثير من الروايات ليس فيه ذلك فليحفظ. واشترط أن لا تكون الصلاة إحدى الخمس فلو نام عن العشاء ثم قام فصلاها لا يسمى متهجدا ولا ضرر في كونها واجبة كأن نام عن الوتر ثم قام إليها، وفي القاموس الهجود النوم كالتهجد وتهجد استيقظ كهجد ضد، وقال ابن الأعرابي: هجد الرجل صلى من الليل وهجد نام بالليل، وقال أبو عبيدة: الهاجد النائم والمصلي، وفي مجمع البيان أنه يقال هجدته إذا أنمته، وعليه قول لبيد:

قلت هجدنا فقال طال السرى ونقل عن ابن برزخ أنه يقال: هجدته إذا أيقظته ومصدر هذا التهجيد، وصرح في القاموس بأنه من الأضداد أيضا.

وذكر بعضهم أن المعروف في كلام العرب كون الهجود بمعنى النوم وفسر التهجد بترك الهجود أي النوم على أن التفعل للسلب كالتأثم والتحنث وهو مأخذ من فسره بالاستيقاظ، ويجوز أن يقال: إن التفعل للتكلف أي تكلف الهجود بمعنى اليقظة، ورجح هذا بأن مجيء التفعل للتكلف أكثر من مجيئه للسلب.

وعورض بأن استعمال الهجود في اليقظة مختلف في ثبوته وإن ثبت فهو أقل من استعماله في النوم، والضمير المجرور في بِهِ للقرآن من حيث هو لا بقيد إضافته إلى الفجر، واستدل بذلك على تطويل القراءة في صلاة التهجد، وقد صرح العلماء بندب ذلك،

وفي صحيح مسلم من حديث حذيفة «صليت وراء النبي صلّى الله عليه وسلّم ذات ليلة فافتتح البقرة فقلت يركع عند المائة ثم مضى فقلت يصلي بها في ركعة فمضى فقلت يركع بها ثم افتتح النساء فقرأها ثم افتتح آل عمران فقرأها يقرأ مترسلا إذا مر بآية تسبيح سبح» الخبر

ويجوز أن يكون للبعض المفهوم من قوله تعالى:

وَمِنَ اللَّيْلِ والباء للظرفية أي فتهجد في ذلك البعض.

<<  <  ج: ص:  >  >>