للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإجلاس معه على رفع المحل والتشريف وهو مقول بالتشكيك فمتى صح أن أهل الجنة كلهم يجلسون معه آمنا به مع إثبات المزية للرسول صلّى الله عليه وسلّم فاندفع ما ذكره في الوجه الرابع، ويرد على ما في الوجه الخامس أن الإجلاس معه لم يفهم من مجرد البعث وما ادعى أحد ذلك فكون بعث السلطان فلانا يفهم منه أنه أرسله إلى قوم لإصلاح مهماتهم ولا يفهم منه أنه أجلسه مع نفسه لا يضرنا كما لا يخفى على منصف.

وبالجملة كل ما قيل أو يقال لا يصغى إليه إن صح التفسير عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لكن يبقى حينئذ أنه يلزم التعارض بين ظواهر الروايات، ومن هنا قال بعضهم: المراد بالمقام المحمود ما ينتظم كل مقام يتضمن كرامة له صلّى الله عليه وسلّم، والاقتصار في بعض الروايات على بعض لنكتة نحو ما مر، ووصفه بكونه محمودا إما باعتبار أنه صلّى الله عليه وسلّم يحمد لله تعالى عليه أبلغ الحمد أو باعتبار أن كل من يشاهده يحمده ولم يشترط أن يكون الحمد في مقابلة النعمة ويدخل في هذا كل مقام له صلّى الله عليه وسلّم محمود في الجنة.

وكذا يدخل فيه ما جوز مفتي الصوفية سيدي شهاب الدين السهروردي أن يكون المقام المحمود وهو إعطاؤه عليه الصلاة والسلام مرتبة من العلم لم تعط لغيره من الخلق أصلا فإنه ذكر في رسالة له في العقائد أن علم عوام المؤمنين يكون يوم القيامة كعلم علمائهم في الدنيا ويكون علم العلماء إذ ذاك كعلم الأنبياء عليهم السلام ويكون علم الأنبياء كعلم نبينا صلّى الله عليه وسلّم ويعطى نبينا عليه الصلاة والسلام من العلم ما لم يعط أحد من العالمين ولعله المقام المحمود ولم أر ذلك لغيره عليه الرحمة والله تعالى أعلم.

ثم هذا الاختلاف في المقام المحمود هنا لم يقع فيه في دعاء الأذان بل ادعى العلامة ابن حجر الهيتمي أنه فيه مقام الشفاعة العظمى لفصل القضاء اتفاقا فتأمل في هذا المقام والله تعالى ولي الإنعام والإفهام.

وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ أي إدخالا مرضيا جيدا لا يرى فيه ما يكره، والإضافة للمبالغة.

وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ نظير الأول واختلف في تعيين المراد من ذلك فأخرج الزبير بن بكار عن زيد بن أسلم أن المراد إدخال المدينة والإخراج من مكة ويدل عليه ما قيل قوله تعالى: وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ إلخ.

وأيد بما أخرجه أحمد والطبراني والترمذي وحسنه والحاكم وصححه وجماعة عن ابن عباس قال: كان النبي صلّى الله عليه وسلّم بمكة ثم أمر بالهجرة فأنزل الله تعالى عليه وَقُلْ رَبِّ الآية، وبدأ بالإدخال لأنه الأهم. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه الإدخال في القبر والإخراج منه وأيد بذكره بعد البعث، وقيل إدخال مكة ظاهرا عليها بالفتح وإخراجه صلّى الله عليه وسلّم منها آمنا من المشركين، وقيل إخراجه من المدينة وإدخال مكة بالفتح، وقال محمد بن المنكدر: إدخاله الغار وإخراجه منه، وقيل الإدخال في الجنة والإخراج من مكة، وقيل الإدخال في الصلاة والإخراج منها، وقيل الإدخال في المأمورات والإخراج عن المنهيات وقيل الإدخال فيما حمله صلّى الله عليه وسلّم من أعباء النبوة وأداء الشرع وإخراجه منه مؤديا لما كلفه من غير تفريط، وقيل الإدخال في بحار التوحيد والتنزيه والإخراج من الاشتغال بالدليل إلى معرفة المدلول والتأمل في الآثار إلى الاستغراق في معرفة الواحد القهار. وقيل وقيل والأظهر أن المراد إدخاله عليه الصلاة والسلام في كل ما يدخل فيه ويلابسه من مكان أو أمر وإخراجه منه فيكون عاما في جميع الموارد والمصادر واستظهر ذلك أبو حيان وفي الكشف أنه الوجه الموافق لظاهر اللفظ والمطابق لمقتضى النظم فسابقه ولا حقه لا يختصان بمكان دون آخر، وكفاك قوله تعالى وَاجْعَلْ لِي إلخ شاهد صدق على إيثاره.

وقرأ قتادة وأبو حيوة وحميد وإبراهيم بن أبي عبلة «مدخل» و «مخرج» بفتح الميم فيهما، قال صاحب اللوامح:

<<  <  ج: ص:  >  >>