وهما مصدران من دخل وخرج لكنهما جاءا من معنى أدخلني وأخرجني السابقين دون لفظهما ومثل ذلك أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً [نوح: ١٧] ويجوز أن يكونا اسمي مكان وانتصابهما على الظرفية، وقال غيره من المحققين: هما مصدران منصوبان على تقدير فعلين ثلاثيين إذ مصدر المزيدين مضموم الميم كما في القراءة المتواترة أي أدخلني فادخل مدخل صدق وأخرجني فاخرج مخرج صدق.
وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً أي حجة تنصرني على من خالفني وهو مراد مجاهد بقوله حجة بينة، وفي رواية أخرى عنه أنه كتاب يحوي الحدود والأحكام وعن الحسن أنه أريد التسلط على الكافرين بالسيف وعلى المنافقين بإقامة الحدود، وقريب ما قيل إن المراد قهرا وعزا تنصر به الإسلام على غيره.
وزعم بعضهم أنه فتح مكة، وقيل السلطان أحد السلاطين الملوك فكأن المراد الدعاء بأن يكون في كل عصر ملك ينصر دين الله تعالى، قيل وهو ظاهر ما أخرجه البيهقي في الدلائل والحاكم وصححه عن قتادة قال: أخرجه الله تعالى من مكة مخرج صدق وأدخله المدينة مدخل صدق وعلم نبي الله أنه لا طاقة له بهذا الأمر إلا بسلطان فسأل سلطانا نصيرا لكتاب الله تعالى وحدوده وفرائضه فإن السلطان عزة من الله عز وجل جعلها بين أظهر عباده لولا ذلك لأغار بعضهم على بعض وأكل شديدهم ضعيفهم وفيه نظر، وفعيل على سائر الأوجه مبالغ في فاعل.
وجوز أن يكون في بعضها بمعنى مفعول، والحق أن المراد من السلطان كل ما يفيده الغلبة على أعداء الله تعالى وظهور دينه جل شأنه ووصفه بنصيرا للمبالغة وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ الإسلام والدين الثابت الراسخ.
والجملة عطف على جملة قُلْ أولا واحتمال أنها من مقول القول الأول لما فيها من الدلالة على الاستجابة في غاية البعد.
وَزَهَقَ الْباطِلُ أي زال واضمحل ولم يثبت الشرك والكفر وتسويلات الشيطان من زهقت نفسه إذا خرجت من الأسف، وعن قتادة أن الحق القرآن والباطل الشيطان، وعن ابن جريج أن الأول الجهاد والثاني الشرك وعن مقاتل الحق عبادة الله تعالى والباطل عبادة الشيطان وهذا قريب مما ذكرنا.
إِنَّ الْباطِلَ كائنا ما كان كانَ زَهُوقاً مضمحلا غير ثابت الآن أو فيما بعد أو مطلقا لكونه كان لم يكن، وصيغة فعول للمبالغة.
أخرج الشيخان وجماعة عن ابن مسعود قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلّم مكة وحول البيت ستون وثلاثمائة نصب فجعل يطعنها بعود في يده وقول جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً جاء الحق وما يبدىء الباطل وما يعيد،
وفي رواية الطبراني في الصغير والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلّم جاء ومعه قضيب فجعل يهوي به إلى كل صنم منها فيخر لوجهه فيقول جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً حتى مر عليها كلها.
وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ أي ما هو في تقديم دينهم واستصلاح نفوسهم كالدواء الشافي للمرضى، ومِنَ للبيان وقدم اهتماما بشأنه، وأنكر أبو حيان جواز التقديم واختار هنا كون من لابتداء الغاية وهو إنكار غير مسموع فيفيد أن كل القرآن كذلك.
وفي الخبر من لم يستشف بالقرآن فلا شفاه الله تعالى
أو للتبعيض ومعناه على ما في الكشف وننزل ما هو شفاء أي تدرج في نزوله شفاء فشفاء وليس معناه أنه منقسم إلى ما هو شفاء وليس بشفاء والمنزل الأول كما وهم الحوفي فأنكر جواز إرادة التبعيض وإنما المعنى أن ما لم ينزل بعد ليس بشفاء للمؤمنين لعدم الاطلاع وأن كل ما ينزل فهو شفاء لداء خاص يتجدد نزول الشفاء كفاء تجدد الداء.