اتخاذ الولد ظاهر في نفي التبني ويعلم منه نفي أن يكون له سبحانه ولد الصلب من باب أولي، وقد نفي ذلك صريحا في قوله تعالى لَمْ يَلِدْ [الإخلاص: ٣] وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ ظاهره أنه رد على الثنوية وهم المشركون في الربوبية، ويجوز أن يكون كناية عن نفي الشركة في الألوهية فيكون ردا على الوثنية وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ أي ناصر ومانع له سبحانه من الذل لا عتزازه تعالى بنفسه فمن صلة لولي وضمن معنى المنع والنصر أو لم يوال تعالى أحدا من أجل مذلة فالولاية بمعنى المحبة على أصلها ومن تعليلية، وليس المعنى على الوجهين نفي الذل والنصر في الأول والموالاة والذل في الثاني على أسلوب- لا يهتدي بمناره- بل المراد أنه تعالى إذا اتخذ عبدا له وليا فذلك محض الاصطناع في شأن العبد لا أن هناك حاجة، وكذلك نصر الله تعالى كمال للناصر لا أن ثمة حاجة ألا ترى إلى قوله سبحانه: إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ [محمد: ٧] وإلى هذا ذهب صاحب الكشف وهو حسن، وجعل ذلك على الوجهين الفاضل الطيبي من ذاك الأسلوب، وفي الحواشي الشهابية في بيان ثاني الوجهين أن المراد نفي أن يكون له تعالى مولى يلتجىء هو سبحانه إليه، وأما الولي الذي يوصف به المؤمن فليس الولاية فيه بهذا المعنى بل بمعنى من يتولى أمره لمحبته له تفضلا منه عز وجل ورحمة فغاير بين الولايتين، ولعل الحق مع صاحب الكشف، ومن عجيب ما قيل إن مِنَ الذُّلِّ في موضع الصفة لولي ومن فيه للتبعيض وأن الكلام على حذف مضاف أي لم يكن له ولي من أهل الذل والمراد بهم اليهود والنصارى، ولعمري إنه لا ينبغي أن يلتفت إليه.
وربما يتوهم أن المقام مقام التنزيه لا مقام الحمد لأنه يكون على الفعل الاختياري وبه وما ذكر من الصفات العدمية ويدفع بأنه لاق وصفه تعالى بما ذكر بكلمة التحميد لأنه يدل على نفي الإمكان المقتضي للاحتياج وإثبات أنه تعالى الواجب الوجود لذاته الغني عما سواه المحتاج إليه ما عداه فهو الجواد المعطي لكل قابل ما يستحق فهو تعالى المستحق للحمد دون غيره عز وجل، وهذا الذي عناه الزمخشري وقال في الكشف: لك أن تتخذ نفي هذه الصفات وهي ذرائع منع المعروف أما الولد فلأنه مبخلة، وأما الشريك فلأنه مانع من التصرف كيف يشاء، وأما الاحتياج إلى من يعتز به أو يذب عنه فاظهر رديفا لإثبات أضدادها على سبيل الكناية وهو وجه حسن ولو حمل الكلام على ظاهره أيضا لكان له وجه وذلك لأن قول القائل الحمد لله فيه ما ينبىء أن الإلهية تقتضي الحمد فإذا قلت الحمد لله المنزه عن النقائص مثلا يكون قد قويت معنى الإلهية المفهومة من اللفظ فيكون وصفا لائقا مؤيدا لا ستحقاقه تعالى الحمد من غير نظر إلى مدخلية الوصف في الحمد بالاستقلال وهذا بين مكشوف إلا أن الزمخشري حاول أن ينبه على مكان الفائدة الزائدة اه.
وتعقب بأن ما ذكره من أن في الحمد لله ما ينبىء أن الإلهية تقتضي الحمد لا يتم على مذهب مانعي الاشتقاق في الاسم الكريم وفيه تأمل. والآية على ما قال العلامة الطيبي من التقسيم الحاصر لأن المانع من إيتاء النعم إما فوقه سبحانه وتعالى أو دونه أو مثله عز وجل فبنى الكلام على الترقي وبدىء من الأدون وختم بالأعلى فنفى الكل فمنه ولد الكثرة وله القل والدق والجل تعالى كبرياؤه وعظمت نعماؤه، ولدلالة ما تقدم على أنه تعالى هو الكامل وما عداه ناقص استحق التكبير ولذا عطف عليه قوله سبحانه وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً والتكبير أبلغ لفظة للعرب في معنى التعظيم والإجلال، وفي الأمر بذلك بعد ما تقدم مؤكدا بالمصدر المنكر من غير تعيين لما يعظم به تعالى إشارة إلى أنه مما لا تسعه العبارة ولا تفي به القوة البشرية وإن بالغ العبد في التنزيه والتمجيد واجتهد في العبادة والتحميد فلم يبق إلا الوقوف بإقدام المذلة في حضيض القصور والاعتراف بالعجز عن القيام بحقه جل وعلا وإن طالت القصور،
وروى غير واحد أنه صلّى الله عليه وسلّم كان يعلم الغلام من بني عبد المطلب إذا أفصح الحمد لله إلى آخر الآية سبع مرات وسماها عليه الصلاة والسلام