ويقال الحق العلم والباطل الجهل والحق ما بدا من الإلهام والباطل هواجس النفس ووساوس الشيطان. وقال فارس: كل ما يحملك على سلوك سبيل الحقيقة فهو حق وكل ما يحجبك ويفرق عليك وقتك فهو باطل وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ من أمراض الصفات الذميمة وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ بالغيب يفيدهم الكمالات والفضائل العظيمة فالأول إشارة إلى التخلية والثاني إلى التحلية، ويقال هو شفاء من داء الشك الضعفاء المؤمنين ومن داء النكرة للعارفين ومن وجع الاشتياق للمحبين ومن داء القنوط للمريدين والقاصدين، وأنشدوا:
وكتبك حولي لا تفارق مضجعي ... وفيها شفاء للذي أنا كاتم
وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ الباخسين حظوظهم من الكمال بالميل إلى الشهوات النفسانية إِلَّا خَساراً بزيادة ظهور أنفسهم بصفاتها من إنكار ونحوه وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ فاحتجب بالنعمة عن المنعم ولم يشكر وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً لجهله بعظيم قدرة الله تعالى ولم يصبر قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ على طريقته التي تشاكل استعداده وكل إناء بالذي فيه يرشح وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي أي من عالم الإبداع وهو عالم الذوات المقدسة عن الشكل واللون والجهة والأين فلا يمكن إدراك المحجوبين لها وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا وهو علم المحسوسات مَنْ يَهْدِ اللَّهُ بنوره بمقتضى العناية الأزلية فَهُوَ الْمُهْتَدِ دون غيره وَمَنْ يُضْلِلْ بمنع ذلك النور عنه فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ من دونه تعالى يهدونه أو يحفظونه من قهره عز وجل وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ لا نجذابهم إلى الجهة السفلية عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا لأنها أحوال تناسب أحوالهم في الدنيا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً لعلمهم بحقيته، ووقوفهم على ما أودع فيه من الأسرار وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ لعظمته أو شوقا لمنزله وحبا للقائه، قال أبو يعقوب السوسي: البكاء على أنواع: بكاء من الله تعالى وهو أن يبكي خوفا مما جرى به القلم في الفاتحة ويظهر في الخاتمة وبكاء على الله عز وجل وهو أن يبكي تحسرا على ما يفوته من الحق تعالى، وبكاء لله تبارك وتعالى وهو أن يبكي عند ذكره سبحانه وذكر وعده ووعيده وبكاء بالله تعالى وهو أن يبكي بلا حظ منه في بكائه، وقال القاسم: البكاء على وجوه بكاء الجهال على ما جهلوا وبكاء العلماء على ما قصروا وبكاء الصالحين مخافة الفوت وبكاء الأئمة مخافة السبق وبكاء الفرسان من أرباب القلوب للهيبة والخشية ولا بكاء للموحدين، وفي الآية إشارة ما إلى السماع ولا أشرف من سماع القرآن فهو الروح والريحان قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ قيل دعاء الله بالفناء في الذات ودعاء الرحمن بالفناء في الصفة وصفة الرحمانية هي أم الصفات وبها استوى سبحانه على عرشه، ومن ذلك يعلم أنه ليس المراد من الإيجاد إلا رحمة الموجودين أَيًّا ما تَدْعُوا أي أيّا ما طلبت من هذين المقامين فَلَهُ تعالى في هذين المقامين الْأَسْماءُ الْحُسْنى لا لك إذ لست هناك بموجود أما في الفناء في الذات فظاهر وأما في الفناء في الصفة المذكورة فلأن الرحمن لا يصلح اسما لغير تلك الذات ولا يمكن ثبوت تلك الصفة لغيرها، ولا يخفى عليك أن ضمير له على هذا التأويل عائد على ما عاد إليه على التفسير. وفي الفتوحات المكية أنه تعالى جعل الأسماء الحسنى لله كما هي للرحمن غير أن الاسم له معنى وصورة فيدعى الله بمعنى الاسم ويدعى الرحمن بصورته لأن الرحمن هو المنعوت بالنفس وبالنفس ظهرت الكلمات الإلهية في مراتب الخلاء الذي ظهر فيه العالم فلا ندعوه إلا بصورة الاسم وله صورتان صورة عندنا من أنفاسنا وتركيب حروفنا وهي التي ندعوه بها وهي أسماء الأسماء الإلهية وهي كالخلع عليها ونحن بصورة هذه الأسماء مترجمون عن الأسماء الإلهية ولها صور من نفس الرحمن من كونه قائلا ومنعوتا بالكلام وخلف تلك الصور المعاني التي هي كالأرواح للأسماء الإلهية التي يذكر الحق بها نفسه وهي من نفس الرحمن فله الأسماء الحسنى وأرواح تلك الصور هي التي لاسم الله خارجة عن حكم النفس لا تنعت بالكيفية