يَوَدُّ أَحَدُهُمْ وحذف موصوف الجملة فيما إذا كان بعضا من سابقه المجرور ب مِنَ أو- في- جائز في السعة، وفي غيره مختص بالضرورة نحو أنا ابن نجلا وطلاع الثنايا. وحينئذ يراد ب الَّذِينَ أَشْرَكُوا اليهود لأنهم قالوا: عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ [التوبة: ٣٠] ووضع المظهر موضع المضمر نعيا عليهم بالشرك، وجوّز بعضهم أن يراد بذلك الجنس، ويراد بمن يَوَدُّ أَحَدُهُمْ اليهود، والمراد كل واحد منهم- وهو بعيد- وجملة يَوَدُّ إلخ، على الوجهين الأولين مستأنفة، كأنه قيل: ما شدة حرصهم، وقيل: حال من الَّذِينَ أو من ضمير أَشْرَكُوا أو من الضمير المنصوب في لَتَجِدَنَّهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ جواب لَوْ محذوف- أي لسر بذلك- وكذا مفعول
يَوَدُّ أي طول الحياة، وحذف لدلالة لَوْ يُعَمَّرُ عليه كما حذف الجواب لدلالة يَوَدُّ عليه، وهذا هو الجاري على قواعد البصريين في مثل هذا المكان، وذهب بعض الكوفيين- في مثل ذلك- إلى أن لَوْ مصدرية بمعنى- أن- فلا يكون لها جواب، وينسبك منها مصدر هو مفعول يَوَدُّ كأنه قال:«يود أحدهم» تعمير ألف سنة، وقيل: لَوْ بمعنى ليت ولا يحتاج إلى جواب والجملة محكية ب يَوَدُّ في موضع المفعول، وهو- وإن لم يكن قولا ولا في معناه- لكنه فعل قلبي يصدر عنه الأقوال فعومل معاملتها، وكان أصله- لو أعمر- إلا أنه أورد بلفظ الغيبة لأجل مناسبة يَوَدُّ فإنه غائب، كما يقال: حلف ليفعلن- مقام لأفعلن- وهذا بخلاف ما لو أتى بصريح القول، فإنه لا يجوز قال: ليفعلن، وإذا قلنا: إن لَوْ التي للتمني مصدرية لا يحتاج إلى اعتبار الحكاية، وابن مالك رضي الله تعالى عنه موضوعا له- كليت- ونحو لو تأتيني فتحدثني- بالنصب- أصله وددت لو تأتيني إلخ، فحذف فعل التمني لدلالة لَوْ عليه، وقيل: هي لَوْ الشرطية أشربت معنى التمني، ومعنى أَلْفَ سَنَةٍ الكثرة ليشمل من يَوَدُّ أن لا يموت أبدا، ويحتمل أن يراد أَلْفَ سَنَةٍ حقيقة- والألف- العدد المعلوم من الألفة، إذ هو مؤلف من أنواع الأعداد بناء على متعارف الناس، وإن كان الصحيح أن العدد مركب من الوحدات التي تحته- لا الإعداد- وأصل سَنَةٍ سنوة، لقولهم: سنوات، وقيل: سنهة- كجبهة- لقولهم: سانهته، وتسنهت النخلة إذا أتت عليها السنون، وسمع أيضا في الجمع سنهات وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ ما حجازية أو تميمية، وهو ضمير عائد إلى أَحَدُهُمْ اسمها- أو مبتدأ- وبِمُزَحْزِحِهِ خبرها أو خبره- والباء- زائدة، وأَنْ يُعَمَّرَ فاعل «مزحزحه» والمعنى- ما أحدهم يزحزحه من العذاب تعميره- وفيه إشارة إلى ثبوت من- يزحزحه التعمير- وهو مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً [الكهف: ٨٨، سبأ: ٣٧] ولا يجوز عند المحققين أن يكون الضمير المرفوع للشأن لأن مفسره جملة، ولا تدخل- الباء- في خبر ما وليس إلا إذا كان مفردا عند غير الفراء، وأجاز ذلك أبو علي، وهو ميل منه إلى مذهب الكوفيين من أن مفسر ضمير الشأن يجوز أن يكون غير جملة إذا انتظم إسنادا معنويا نحو ما هو بقائم زيد نعم جوّزوا أن يكون لما دل عليه يُعَمَّرُ وأَنْ يُعَمَّرَ بدل منه، أي ما تعميره بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ اعترض بأن فيه ضعفا للفصل بين البدل والمبدل منه، وللإبدال من غير حاجة إليه، وأجاب بعض المحققين أنه لما كان لفظ- التعمير- غير مذكور، بل ضميره حسن الإبدال ولو كان التعمير مذكورا بلفظه لكان الثاني تأكيدا- لا بدلا- ولكونه في الحقيقة تكريرا يفيد فائدته من تقرير المحكوم عليه اعتناء بشأن الحكم بناء على شدة حرصه على التعمير- ووداده إياه- جاز الفصل بينه وبين المبدل منه بالخبر، كما في التأكيد في قوله تعالى: وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ [هود: ١٩، يوسف: ٣٧، فصلت: ٧] وقيل: هو ضمير مبهم يفسره البدل فهو راجع إليه لا إلى شيء متقدم مفهوم من الفعل، والتفسير بعد الإبهام ليكون أوقع في نفس السامع، ويستقر في ذهنه كونه محكوما عليه بذلك الحكم والفصل بالظرف بينه وبين مفسره جائز- كما يفهمه كلام الرضيّ في بحث أفعال المدح والذم- واحتمال أن يكون هُوَ ضمير فصل قدم مع الخبر بعيد- والزحزحة- التبعيد، وهو مضاعف من زح يزح زحا، ككبكب من كب- وفيه مبالغة- لكنها متوجهة إلى النفي