على حد ما قيل: وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [فصلت: ٤٦] فيؤول- إلى أنه لا يؤثر في إزالة العذاب أقل تأثير- التعمير، وصح ذلك مع أن التعمير يفيد رفع العذاب مدة البقاء، لأن الإمهال بحسب الزمان وإن حصل، لكنهم لاقترافهم المعاصي بالتعمير زاد عليهم من حيث الشدة فلم يؤثر في إزالته أدنى تأثير بل زاد فيه حيث استوجبوا بمقابلة أَيَّاماً مَعْدُودَةً [البقرة: ٨٠] عذاب الأبد وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ أي عالم بخفيات أعمالهم- فهو مجازيهم لا محالة- وحمل- البصر- على- العلم- هنا وإن كان بمعنى الرؤية صفة لله تعالى أيضا لأن بعض الأعمال لا يصح أن يرى- على ما ذهب إليه بعض المحققين- وفي هذه الجملة من التهديد والوعيد ما هو ظاهر، و «ما» إما موصولة أو مصدرية، وأتى بصيغة المضارع لتواخي الفواصل، وقرأ الحسن وقتادة والأعرج ويعقوب «تعلمون» - بالتاء- على
سبيل الالتفات قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ
أخرج ابن أبي شيبة في مسنده، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن الشعبي، أنه دخل عمر رضي الله تعالى عنه مدراس اليهود يوما فسألهم عن جبريل، فقالوا: ذاك عدونا، يطلع محمدا على أسرارنا، وأنه صاحب كل خسف وعذاب، وميكائيل صاحب الخصب والسلام. فقال: ما منزلتهما من الله تعالى؟ قالوا:
جبريل عن يمينه، وميكائيل عن يساره- وبينهما عداوة- فقال: لئن كانا كما تقولون فليسا بعدوين، ولأنتم أكفر من الحمير، ومن كان عدوا لأحدهما فهو عدو لله. ثم رجع عمر فوجد جبريل قد سبقه بالوحي، فقال صلى الله تعالى عليه وسلم:«لقد وافقك ربك يا عمر» قال عمر: لقد رأيتني بعد ذلك أصلب من الحجر،
وقيل: نزلت في عبد الله بن صوريا- كان يهوديا من أحبار فدك- سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عمن ينزل عليه فقال:«جبريل» فقال: ذاك عدونا عادانا مرارا، وأشدها أنه أنزل على نبينا أن بيت المقدس سيخربه بخت نصر، فبعثنا من يقتله فرآه ببابل، فدفع عنه جبريل وقال: إن كان ربكم أمره بهلاككم فلا يسلطكم عليه، وإلا فبم تقتلونه؟ وصدقه الرجل المبعوث ورجع إلينا، وكبر بختنصر وقوي وغزانا، وخرّب بيت المقدس، روى ذلك بعض الحفاظ، وقال العراقي: لم أقف له على سند، فلعل الأول أقوى منه- وإن أوهم صنيع بعضهم العكس- ولِجِبْرِيلَ علم ملك كان ينزل على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بالقرآن، وهو اسم أعجمي ممنوع من الصرف للعلمية والعجمة، وأبعد من ذهب إلى أنه مشتق من جبروت الله وجعله مركبا تركيب مزج من مضاف ومضاف إليه، فمنعه من الصرف للعلمية، والتركيب ليس بشيء لأن ما يركب هذا التركيب يجوز فيه البناء والإضافة ومنع الصرف. فكونه لم يسمع فيه الإضافة أو البناء دليل على أنه ليس من تركيب المزج، وقد تصرفت فيه العرب على عادتها في تغيير الأسماء الأعجمية حتى بلغت فيه إلى ثلاث عشرة لغة، أفصحها وأشهرها لِجِبْرِيلَ كقنديل، وهي قراءة أبي عمرو. ونافع وابن عامر وحفص عن عاصم. وهي لغة الحجاز، قال ورقة بن نوفل:
«وجبريل» يأتيه وميكال معهما ... من الله وحي يشرح الصدر منزل
الثانية كذلك إلا أنها- بفتح الجيم- وهي قراءة ابن كثير والحسن وابن محيصن. قال الفراء: لا أحبها لأنه ليس في الكلام فعليل- وليس بشيء- لأن الأعجمي إذا عربوه قد يلحقونه بأوزانهم- كلجام- وقد لا يلحقونه كإبريسم- وجبريل من هذا القبيل، مع أنه سمع- سموأل- لطائر، الثالث «جبرئيل» كسلسبيل، وبها قرأ حمزة والكسائي وحماد عن أبي بكر عن عاصم، وهي لغة قيس وتميم وكثير من أهل نجد، وحكاها الفراء واختارها الزجاج، وقال: هي أجود اللغات، وقال حسان:
شهدنا فما يلقى لنا من كتيبة ... مدى الدهر إلا «جبرئيل» أمامها
«الرابعة» كذلك إلا أنها بدون- ياء بعد الهمزة- وهي رواية يحيى بن آدم، عن أبي بكر، عن عاصم، وتروى عن