يحيى بن يعمر «الخامسة» كذلك إلا أن- اللام مشددة- وهي قراءة أبان عن عاصم، ويحيى بن يعمر أيضا «السادسة»«جبرائل» - بألف وهمزة بعدها مكسورة بدون ياء- وبها قرأ ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وعكرمة «السابعة» مثلها مع زيادة- ياء بعد الهمزة- «الثامنة»«جبراييل» بياءين بعد الألف، وبها قرأ الأعمش وابن يعمر، ورواها الكسائي عن عاصم «التاسعة»«جبرال»«العاشرة»«جبريل» - بالياء والقصر- وهي قراءة طلحة بن مصرف «الحادية عشرة»«جبرين» - بفتح الجيم والنون- «الثانية عشرة» كذلك إلا أنها- بكسر الجيم- وهي لغة أسد «الثالثة عشرة»«جبراين» قال أبو جعفر النحاس: جمع لِجِبْرِيلَ جمع تكسير على- جبارين- على اللغة العالية، واشتهر أن معناه عبد الله، على أن- جبر- هو الله تعالى- وإيل- هو العبد، قيل: عكسه، ورده بعضهم بأن المعهود في الكلام العجمي تقديم المضاف إليه على المضاف، وفيه تأمل.
فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ جواب الشرط إما نيابة أو حقيقة والمعنى من عاداه منهم فقد خلع ربقة الإنصاف أو كفر بما معه من الكتاب بمعاداته إياه لنزوله عليك بالوحي لأنه نزل كتابا مصدقا للكتب المتقدمة، أو فالسبب في عداوته أنه نزل عليك، وليس المبتدأ على هذا الأخير محذوفا، وأنه- نزله- خبره حتى يرد أن الموضع للمفتوحة بل أن- الفاء- داخلة على السبب، ووقع جزاء باعتبار الإعلام والاخبار بسببيته لما قبله فيؤول المعنى إلى من عاداه فأعلمكم بأن سبب عداوته كذا فهو كقولك: إن عاداك فلان فقد آذيته أي فأخبرك بأن سبب عداوتك أنك آذيته، وقيل: الجزاء محذوف بحيث لا يكون المذكور نائبا وعنه يقدر مؤخرا عنه ويكون هو تعليلا وبيانا لسبب العداوة والمعنى من عاداه- لأنه نزله على قلبك- فليمت غيظا، أو فهو عدوّ لي وأنا عدوه والقرينة على حذف الثاني الجملة المعترضة المذكورة بعده في وعيدهم، واحتمال أن يكون مَنْ كانَ عَدُوًّا إلخ استفهاما للاستبعاد، أو التهديد ويكون فإنه تعليل العداوة وتقييدا لها أو تعليل الأمر بالقول مما لا ينبغي أن يرتكب في القرآن العظيم، والضمير الأول البارز لجبريل، والثاني للقرآن كما يشير إليه الأحوال لأنها كلها من صفات القرآن ظاهرا، وقيل: الأول لله تعالى والثاني لجبريل أي- فإن الله نزل جبريل بالقرآن على قلبك- وفي كل من الوجهين إضمار يعود على ما يدل عليه السياق، وفي ذلك من فخامة الشأن ما لا يخفى، ولم يقل سبحانه عليك كما في قوله تعالى: ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى [طه: ٢] بل قال:
عَلى قَلْبِكَ لأنه القابل الأول للوحي إن أريد به الروح، ومحل الفهم والحفظ إن أريد به العضو بناء على نفي الحواس الباطنة، وقيل: كني بالقلب عن الجملة الإنسانية كما يكنى ببعض الشيء عن كله، وقيل: معنى نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ جعل قَلْبِكَ متصفا بأخلاق القرآن ومتأدبا بآدابه كما
في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها «كان خلقه القرآن يرضى لرضاه ويغضب لغضبه»
وكان الظاهر أن يقول على قلبي لأن القائل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لكنه حكى ما قال الله تعالى له وجعل القائل كأنه الله تعالى لأنه سفير محض بِإِذْنِ اللَّهِ أي بأمره أو بعلمه وتمكينه إياه من هذه المنزلة أو باختياره، أو بتيسيره وتسهيله، وأصل معنى- الاذن- في الشيء الاعلام بإجازته والرخصة فيه فالمعاني المذكورة كلها مجازية، والعلاقة ظاهرة، والمنتخب- كما في المنتخب- المعنى الأول والمعتزلة- لما لم يقولوا بالكلام النفسي وإسناد الاذن إليه تعالى باعتبار الكلام اللفظي يحتاج إلى تكلف- اقتصر الزمخشري على الوجه الأخير، والقول: إن الاذن بمعنى الأمر إن أريد بالتنزيل معناه الظاهر، وبمعنى التيسير إن أريد به التحفيظ والتفهيم مما لا وجه له.
مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ من الكتب الإلهية التي معظمها التوراة وانتصاب مُصَدِّقاً على الحال من الضمير المنصوب في نَزَّلَهُ إن كان عائدا للقرآن وإن كان لجبريل فيحتمل وجهين، أحدهما أن يكون حالا من المحذوف