عداوة المذكورين كفر وأن ذلك بين لا يحتاج إلى الاخبار به وأن مدار عداوته تعالى لهم وسخطه المستوجب لأشد العقوبة والعذاب هو كفرهم المذكور، وقيل: يحتمل أنه تعالى عدل عن الضمير لعلمه أن بعضهم يؤمن فلا ينبغي أن يطلق عليه عداوة الله تعالى للمآل- وهو احتمال أبعد من العيوق- ويحتمل أن تكون- أل للجنس كما تقدم، ومن الناس من روى أن عمر رضي الله تعالى عنه نطق بهذه الآية مجاوبا لبعض اليهود في قوله ذاك عدونا يعني جبريل فنزلت على لسان عمر وهو خبر ضعيف كما نص عليه ابن عطية، والكلام في منع صرف ميكائيل كالكلام في جبريل، واشتهر أن معناه عبيد الله وقيل: عبد الله وفيه لغات، الأولى «ميكال» كمفعال، وبها قرأ أبو عمرو وحفص وهي لغة الحجاز، الثانية كذلك إلا أن بعد الألف همزة، وقرأ بها نافع. وابن شنبوذ لقنبل، الثالثة كذلك إلا أنه بياء بعد الهمزة، وبها قرأ حمزة والكسائي وابن عامر وأبو بكر. وغير ابن شنبوذ لقنبل والبزي، الرابعة «ميكئيل» كميكفيل، وبها قرأ ابن محيصن. الخامسة كذلك إلا أنه لا ياء بعد الهمزة وقرىء بها، السادسة «ميكاييل» بياءين بعد الألف أولهما مكسورة، وبها قرأ الأعمش.
ولساداتنا الصوفية قدس الله تعالى أسرارهم في هذين الملكين- بل وفي أخويهما إسرافيل وعزرائيل عليهما السلام أيضا- كلام مبسوط، والمشهور أن جبرائيل هو العقل الفعال، وميكائيل هو روح الفلك السادس وعقله المفيض للنفس النباتية الكلية الموكلة بأرزاق الخلائق، وإسرافيل هو روح الفلك الرابع وعقله المفيض للنفس الحيوانية الكلية الموكلة بالحيوانات، وعزرائيل هو روح الفلك السابع الموكل بالأرواح الإنسانية كلها بعضها بالوسائط التي هي أعوانه وبعضها بنفسه والله تعالى أعلم بحقيقة الحال.
وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ وَما يَكْفُرُ بِها إِلَّا الْفاسِقُونَ نزلت بسبب ابن صوريا كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما حين قال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ما جئتنا بشيء نعرفه وما أنزل عليك من آيات فنتبعك، وجعلت عطفا على قوله تعالى: قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا إلخ عطف القصة على القصة وَما يَكْفُرُ عطف على جواب القسم فإنه كما يصدر باللام يصدر بحرف النفي، و «الآيات» القرآن والمعجزات والاخبار عما خفي وأخفي في الكتب السابقة أو الشرائع والفرائض، أو مجموع ما تقدم كله والظاهر الإطلاق، والْفاسِقُونَ المتمردون في الكفر الخارجون عن الحدود فإن من ليس على تلك الصفات من الكفرة لا يجترىء على الكفر بمثل هاتيك البينات، قال الحسن إذا استعمل الفسق في نوع من المعاصي وقع على أعظم أفراد ذلك النوع من كفر أو غيره فإذا قيل: هو فاسق في الشرب فمعناه هو أكثر ارتكابا له وإذا قيل: هو فاسق في الزنا يكون معناه هو أشد ارتكابا له، وأصله من فسقت الرطبة إذا خرجت من قشرها، واللام إما للعهد لأن سياق الآيات يدل على أن ذلك لليهود، وإما للجنس وهم داخلون كما مر غير مرة أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نزلت في مالك بن الصيف قال: والله ما أخذ علينا عهد في كتابنا أن نؤمن بمحمد صلّى الله عليه وسلّم ولا ميثاق، وقيل: في اليهود عاهدوا إن خرج لنؤمنن به ولنكونن معه على مشركي العرب فلما بعث كفروا به، وقال عطاء: في اليهود عاهدوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعهود فنقضوها كفعل قريظة والنضير، والهمزة للإنكار بمعنى ما كان ينبغي، وفيه إعظام ما يقدمون عليه من تكرر عهودهم ونقضها حتى صار سجية لهم وعادة، وفي ذلك تسلية له صلّى الله عليه وسلّم وإشارة إلى أنه ينبغي أن لا يكترث بأمرهم وأن لا يصعب عليه مخالفتهم، والواو للعطف على محذوف أي كفروا بالآيات وكلما عاهدوا، وهو من عطف الفعلية على الفعلية لأن كُلَّما ظرف نَبَذَهُ والقرينة على ذلك المحذوف قوله تعالى: وَما يَكْفُرُ بِها إلخ، وبعضهم يقدر المعطوف مأخوذا من الكلام السابق ويقول بتوسط الهمزة بين المعطوف والمعطوف عليه لغرض يتعلق بالمعطوف خاصة، والتقدير عنده نقضوا هذا العهد وذلك العهد