أَوَكُلَّما عاهَدُوا وفيه مع ارتكاب ما لا ضرورة تدعو إليه أن الجمل المذكورة بقربه ليس فيها ذكر نقض العهد، وقال الأخفش: هي زائدة، والكسائي هي- أو- الساكنة حركت واوها بالفتح وهي بمعنى بل ولا يخفى ضعف القولين، نعم قرأ ابن السماك العدوي وغيره أَوَبالإسكان وحينئذ لا بأس بأن يقال: إنها إضرابية بناء على رأي الكوفيين وأنشدوا:
بدت مثل قرن الشمس في رونق الضحى ... وصورتها «أو» أنت في العين أملح
والعطف- على هذا- على صلة الموصول الذي هو- اللام- في الْفاسِقُونَ ميلا إلى جانب المعنى وإن كان فيه مسخ- اللام- الموصولة، كأنه قيل: إلا الذين فسقوا بل كُلَّما عاهَدُوا والقرينة على ذلك بَلْ أَكْثَرُهُمْ إلخ، وفيه ترق إلى الأغلظ فالأغلظ، ولك أن لا تميل مع المعنى بل تعطف على الصلة- وأل- تدخل على الفعل بالتبعية في السعة كثيرا كقوله تعالى: إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ وَأَقْرَضُوا [الحديد: ١٨] لاغتفارهم في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل. ومن الناس من جوّز هذا العطف باحتماليه على القراءة الأولى أيضا- ولم يحتج إلى ذلك المحذوف- وقرأ الحسن وأبو رجاء «عوهدوا» وانتصاب عَهْداً على أنه مصدر على غير الصدر أي- معاهدة- ويؤيده أنه قرىء «عهدوا» أو على أنه مفعول به بتضمين عاهَدُوا معنى أعطوا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ أي نقضه وترك العمل به، وأصل- النبذ- طرح ما لا يعتد به- كالنعل البالية- لكنه غلب فيما من شأنه أن ينسى لعدم الاعتداد به، ونسبة- النبذ- إلى- العهد- مجاز- والنبذ- حقيقة إنما هو في المتجسدات نحو فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ [القصص: ٤٠، الذاريات: ٤٠]- والفريق- اسم جنس لا واحد له يقع على القليل والكثير، وإنما قال: فَرِيقٌ لأن منهم من لم ينبذه. وقرأ عبد الله «نقضه» قال في البحر: وهي قراءة تخالف سواد المصحف- فالأولى حملها على التفسير- وليس بالقوى إذ لا يظهر للتفسير دون ذكر المفسر خلال القراءة وجه بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ يحتمل أن يراد- بالأكثر النباذون- وأن يراد من عداهم «فعلى الأول» يكون ذلك ردا لما يتوهم أن- الفريق- هم الأقلون بناء على أن المتبادر منه القليل «وعلى الثاني» رد لما يتوهم أن من لم ينبذ جهارا يؤمنون به سرا، والعطف على التقديرين من عطف الجمل، ويحتمل أن يكون من عطف المفردات بأن يكون أكثرهم معطوفا على فَرِيقٌ وجملة لا يُؤْمِنُونَ حال من أَكْثَرُهُمْ والعامل فيها نَبَذَهُ وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ ظرف ل «نبذ» والجملة عطف على سابقتها داخلة تحت الإنكار، والضمير لبني إسرائيل لا لعلمائهم فقط، والرسول محمد صلى الله تعالى عليه وسلم، والتكثير للتفخيم، وقيل: عيسى عليه السلام، وجعله مصدرا بمعنى الرسالة كما في قوله:
لقد كذب الواشون ما بحت عندهم ... بليلى ولا أرسلتهم برسول
خلاف الظاهر مِنْ عِنْدِ اللَّهِ متعلق بجاء أو بمحذوف وقع صفة للرسول لإفادة مزيد تعظيمه إذ قدر الرسول على قدر المرسل مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ أي من التوراة من حيث إنه صلى الله تعالى عليه وسلم جاء على الوصف الذي ذكر فيها، أو أخبر بأنها كلام الله تعالى المنزل على نبيه موسى عليه السلام، أو صدق ما فيها من قواعد التوحيد وأصول الدين، وأخبار الأمم والمواعظ والحكم، أو أظهر ما سألوه عنه من غوامضها، وحمل بعضهم «ما» على العموم لتشمل جميع الكتب الإلهية التي نزلت قبل، وقرأ ابن أبي عبلة «مصدقا» بالنصب على الحال من النكرة الموصوفة نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ أي التوراة وهم اليهود الذين كانوا في عهده صلى الله تعالى عليه وسلم لا الذين كانوا في عهد سليمان عليه السلام- كما توهمه بعضهم من اللحاق- لأن- النبذ- عند مجيء النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لا يتصور منهم، وإفراد هذا- النبذ- بالذكر مع اندراجه في قوله تعالى: أَوَكُلَّما