إلخ، لأنه معظم جناياتهم، ولأنه تمهيد لما يأتي بعد. والمراد- بالإيتاء- إما إيتاء علمها فالموصول عبارة عن علمائهم، وإما مجرد إنزالها عليهم فهو عبارة عن الكل، ولم يقل: فريق منهم إيذانا بكمال التنافي بين ما ثبت لهم في حيز الصلة وبين ما صدر عنهم من النبذ كِتابَ اللَّهِ مفعول نَبَذَ والمراد به التوراة لما روي عن السدي أنه قال:
لما جاءهم محمد صلى الله تعالى عليه وسلم عارضوه بالتوراة فاتفقت التوراة والفرقان فنبذوا التوراة وأخذوا بكتاب آصف وسحر هاروت وماروت فلم توافق القرآن، فهذا قوله تعالى: وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ إلخ، ويؤيده أن النبذ يقتضي سابقة الأخذ في الجملة- وهو متحقق بالنسبة إليها- وأن المعرفة إذا أعيدت معرفة كان الثاني عين الأول، وأن مذمتهم في أنهم نبذوا الكتاب الذي أوتوه واعترفوا بحقيته أشد فإنه يفيد أنه كان مجرد مكابرة وعناد، ومعنى نبذهم لها اطراح أحكامها، أو ما فيها من صفة النبي صلّى الله عليه وسلّم، وقيل: القرآن، وأيده أبو حيان بأن الكلام مع الرسول فيصير المعنى أنه يصدق ما بأيديهم من التوراة، وهم بالعكس يكذبون ما جاء به من القرآن ويتركونه ولا يؤمنون به بعد ما لزمهم تلقيه بالقبول، وقيل: الإنجيل- وليس بشيء- وأضاف الكتاب إلى الاسم الكريم تعظيما له وتهويلا لما اجترءوا عليه من الكفر به.
وَراءَ ظُهُورِهِمْ جمع- ظهر- وهو معروف، ويجمع أيضا على- ظهران- وقد شبه تركهم كتاب الله تعالى وإعراضهم عنه بحالة شيء يرمى به وراء الظهر، والجامع عدم الالتفات وقلة المبالاة، ثم استعمل هاهنا ما كان مستعملا هناك- وهو النبذ وراء الظهر- والعرب كثيرا ما تستعمل ذلك في هذا المعنى، ومنه قوله:
تميم بن مر لا تكونن حاجتي ... بظهر- ولا يعيى عليك جوابها
ويقولون أيضا: جعل هذا الأمر دبر أذنه ويريدون ما تقدم كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ جملة حالية، أي نبذوه مشبهين بمن لا يعلم أنه كتاب الله تعالى أو لا يعلمه أصلا أو لا يعلمونه على وجه الإتقان، ولا يعرفون ما فيه من دلائل نبوته صلى الله تعالى عليه وسلم، وهذا على تقدير أن يراد الأحبار، وفيه إيذان بأن علمهم به رصين لكنهم يتجاهلون وفي الوجهين الأولين زيادة مبالغة في إعراضهم عما في التوراة من دلائل النبوة، ومن فسر كتاب الله تعالى بالقرآن جعل متعلق العلم أنه كتاب الله أي كأنهم لا يعلمون أن القرآن كتاب الله تعالى مع ثبوت ذلك عندهم وتحققه لديهم، وفيه إشارة إلى أنهم نبذوه لا عن شبهة ولكن بغيا وحسدا، وجعل المتعلق- أنه نبي صادق- بعيد، وقد دل الآيتان قوله تعالى: أَوَكُلَّما عاهَدُوا إلخ، وقوله تعالى: وَلَمَّا جاءَهُمْ إلخ بناء على احتمال أن يكون الأكثر غير النابذين، على أن جلّ اليهود أربع فرق، ففرقة آمنوا بالتوراة وقاموا بحقوقها كمؤمني أهل الكتاب، وهم الأقلون المشار إليهم ب بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ وفرقة جاهروا بنبذ العهود وتعدي الحدود، وهم المعنيون بقوله تعالى: نَبَذَ فَرِيقٌ منهم وفرقة لم يجاهروا، ولكن نبذوا لجهلهم- وهم الأكثرون- وفرقة تمسكوا بها ظاهرا ونبذوها سرا، وهم المتجاهلون وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عطف على «نبذ» والضمير لفريق من الذين أوتوا الكتاب- على ما تقدم عن السدي، وقيل: عطف على مجموع ما قبله عطف القصة على- القصة، والضمير للذين تقدموا من اليهود، أو الذين كانوا في زمن سليمان عليه السلام، أو الذين كانوا في زمن نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم، أو ما يتناول الكل لأن ذاك غير ظاهر إذ يقتضي الدخول في حيز ل ما واتباعهم هذا ليس مترتبا على مجيء الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم، وفيه أن ما علمت من قول السدي يفتح باب الظهور، اللهم إلا أن يكون المبني غيره، وقيل: عطف على اشربوا وهو في غاية البعد، بل لا يقدم عليه من جرع جرعة من الإنصاف، والمراد- بالاتباع- التوغل والإقبال على الشيء بالكلية، وقيل: الاقتداء، وما موصولة وتَتْلُوا صلتها، ومعناه تتبع أو تقرأ- وهو حكاية حال ماضية، والأصل-