قيل أن يكون إطلاقه على النار باعتبار أنها من العذاب أو من المقدر، ونقل الزمخشري أن حُسْباناً جمع حسبانة وهي المرماة أي ما يرمى به كالسهم والصاعقة وأريد بها هنا الصواعق، وقيل أعم من ذلك أي يرسل عليها مرامي من عذابه إما بردا وإما حجارة وإما غيرهما مما يشاء فَتُصْبِحَ لذلك صَعِيداً أي أرضا زَلَقاً ليس فيها نبات قاله الحسن وأخرجه ابن أبي حاتم عن السدي قيل وأصل معنى الزلق الزلل في المشي لوحل ونحوه لكن لما كان ذلك فيما لا يكون فيه نبت ونحوه مما يمنع منه تجوز به أو كني عنه، وعبر بالمصدر عن المزلقة مبالغة، وقيل الزلق من زلق رأسه بمعنى حلقه والكلام على التشبيه أي فتصبح أرضا ملساء ليس فيها شجر ولا نبات كالرأس الذي حلق وفيه بعد، وقيل المراد بالزلق المزلقة بالمعنى الحقيقي الظاهر، والمعنى فتصبح أرضا لا نبات فيها ولا يثبت فيها قدم، وحاصله فتصبح مسلوبة المنافع حتى منفعة المشي عليها فتكون وحلا لا تنبت ولا يثبت عليها قدم، وظاهر صنيع أبي حيان اختياره، وقال مجاهد: أي فتصبح رملا هائلا أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً أي غائرا في الأرض، والتعبير بالمصدر للمبالغة نظير ما مر.
فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ أي للماء الغائر طَلَباً تحركا وعملا في رده وإخراجه، والمراد نفي استطاعة الوصول إليه فعبر عنه بنفي الطلب إشارة إلى أنه غير ممكن والعاقل لا يطلب مثله، وقيل ضمير لَهُ للماء مطلقا لا للماء المخصوص أي فلن تستطيع لماء لها بدل ذلك الماء الغائر طلبا، وهو الذي يقتضيه كلام الماوردي إلا أنه خلاف الظاهر.
والظاهر أن يُصْبِحَ عطف على (تصبح) وحينئذ لا بد أن يراد بالحسبان ما يصلح ترتب الأمرين عليه عادة كالحكم الإلهي بالتخريب إذ ليس كل آفة سماوية يترتب عليها إصباح الجنة صعيدا زلقا يترتب عليها وا صباح مائها غورا، وجوز أن يكون العطف على يُرْسِلَ وحينئذ يجوز أن يراد بالحسبان أي معنى كان من المعاني السابقة، وعلى هذا يكون المؤمن قد ترجى هلاك جنة صاحبه الكافر إما بآفة سماوية أو بآفة أرضية وهو غور مائها فيتلف كل ما فيها من الشجر والزرع لكنه لم يصرح بما يترتب على الغور من الضرر والخراب، ولعل ذلك لظهوره والاكتفاء بالإشارة إليه بقوله فَلَنْ إلخ. وتعقب بأنه لا يخفى أنه لا فساد في هذا العطف لا لفظا ولا معنى إلا أنه كان الظاهر أن يقال:
أو يجعل ماءها غورا أو نحو ذلك مما فيه إسناد الفعل إلى الله تعالى ولا يظهر للعدول إلى ما في النظم الكريم وجه فتأمل، ثم إن أكثر العلماء على أن قوله إِنْ تَرَنِ إلخ في مقابلة قول الكافر أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالًا إلخ وكأنهم عنوا المقابلة في الجملة لا المقابلة التامة أما إذا لم يتحد المراد بالنفر والولد فظاهر، وأما إذا اتحد بأن فسر النفر بالولد فلأن هناك أمرين أكثرية وأعزية ولم يذكر هنا إلا مقابل أحدهما وهو الأقلية المنسوبة في المعنى إلى المال والولد، نعم قيل:
إن أقلية الولد قد تستلزم الأذلية والأكثرية قد تستلزم الأعزية كما يشاهد في عرب البادية. هذا وكان الظاهر أن يتعرض في الجزاء لأمر الولد كما تعرض لأمر المال بأن يقال وعسى أن يؤتيني خيرا من ولدك ويصيبهم ببلاء فيصبحوا هلكى أو نحو ذلك. وأجيب بأنه إنما لم يتعرض لذلك إشارة إلى استيلاء حب المال على قلب ذلك الكافر وأنه يكفي في نكايته وإغاظته تلف جنته وإعطاء صاحبه المؤمن خيرا منها.
وقيل: إنما لم يتعرض لذلك لما فيه من ترجي هلاك من لم يصدر منه مكالمة ومحاورة ولم ينقل عنه مقاومة ومفاخرة لمجرد إغاظة كافر حاور وكاثر وفاخر وتركه أفضل للكامل وأكمل للفاضل، والدعاء على الكفرة وذراريهم الصادر من بعض الأنبياء عليهم السلام ليس من قبيل هذا الترجي كما لا يخفى على المتأمل وحيث أراد ترك هذا الترجي ترك ترجي الولد لنفسه تبعا له أو لكونه غير مهم له، وقيل: إنه ترجاه في قوله: خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ لأن المراد