للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شيئا خيرا من جنتك والنكرة قد تعم بمعونة المقام فيندرج الولد وليس بشيء.

وقيل: أراد ما هو الظاهر أي جنة خيرا من جنتك إلا أن الخيرية لا تتم من دون الولد إذ لا تكمل لذة بالمال لمن لا ولد له فترجى جنة خير من تلك الجنة متضمن لترجي ولد خير من أولئك الولد ولم يترج هلاك ولده ليكون بقاؤهم بعد هلاك جنته حملا عليه، ولا يخفى أنه لا يتبادر إلى الذهن من خيرية الجنة إلا خيريتها فيما يعود إلى كونها جنة من كثرة الأشجار وزيادة الثمار وغزارة مياه الأنهار ونحو ذلك، وفي قوله: ليكون إلخ منع ظاهر، وقيل: لم يترج الولد اكتفاء بما عنده منهم فإن كثرة الأولاد ليس مما يرغب فيه الكاملون وفيه نظر، وقيل: إنه لم يقرن ترجي إيتاء الولد مع ترجي إيتاء الجنة لأن ذلك الإيتاء المترجى في الآخرة وهي ليست محلا لإيتاء الولد لانقطاع التولد هناك، ولا يخفى أن هذا بعد تسليم أنه لا يؤتى الولد لمن شاءه في الآخرة ليس بشيء، وقيل: يمكن أن يكون ترجي الولد في قوله:

خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ بناء على أنه أراد من جنته جميع ما متع به من الدنيا وتكون الضمائر بعدها عائدة عليها بمعنى البستان على سبيل الاستخدام وهو كما ترى فتدبر، والله تعالى أعلم بأسرار كتابه وأخبر.

وقرأت فرقة «غؤورا» بضم الغين وهمزة بعدها وواو بعدهما وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ أهلك أمواله المعهودة من جنتيه وما فيهما، وهو مأخوذ من إحاطة العدو وهي استدارته به من جميع جوانبه استعملت في الاستيلاء والغلبة ثم استعملت في كل هلاك، وذكر الخفاجي أن في الكلام استعارة تمثيلية شبه إهلاك جنتيه بما فيهما بإهلاك قوم حاط بهم عدو وأوقع بهم بحيث لم ينج أحد منهم، ويحتمل أن تكون الاستعارة تبعية، وبعض يجوز كونها تمثيلية تبعية انتهى. وجعل ذلك من باب الكناية أظهر والعطف على مقدر كأنه قيل: فوقع بعض ما ترجى وأحيط إلخ وحذف لدلالة السباق والسياق عليه، واستظهر أن الإهلاك كان ليلا لقوله تعالى فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ ويحتمل أن تكون أصبح بمعنى صار فلا تدل على تقييد الخبر بالصباح، ويجري هذان الأمران في تصبح ويصبح السابقين، ومعنى تقليب الكفين على ما استظهره أبو حيان أن يبدي بطن كل منهما ثم يعوج يده حتى يبدو ظهر كل يفعل ذلك مرارا، وقال غير واحد: هو أن يضع باطن إحداهما على ظهر الأخرى ثم يعكس الأمر ويكرر ذلك، وأيّا ما كان فهو كناية عن الندم والتحسر وليس ذلك من قولهم: قلبت الأمر ظهرا لبطن كما في قول عمرو بن ربيعة:

وضربنا الحديث ظهرا لبطن ... وأتينا من أمرنا ما اشتهينا

فإن ذلك مجاز عن الانتقال من بعض الأحاديث إلى بعض، ولكونه كناية عن الندم عدي بعلى في قوله تعالى:

عَلى ما أَنْفَقَ فِيها فالجار والمجرور ظرف لغو متعلق بيقاب كأنه قيل فأصبح يندم على ما أنفق، ومنه يعلم أنه يجوز في الكناية إن تعدى بصلة المعنى الحقيقي كما في قولهم: بنى عليها وبصلة المعنى الكنائي كما هنا فيجوز بنى بها ويكون القول بأنه غلط غلط.

ويجوز أن يكون الجار والمجرور ظرفا مستقرا متعلقه خاص وهو حال من ضمير «يقلب» أي متحسرا على ما أنفق وهو نظرا إلى المعنى الكنائي حال مؤكدة على ما قيل لأن التحسر والندم بمعنى، وقال بعضهم: إن التحسر الحزن وهو أخص من الندم فليراجع، وأيّا ما كان فلا تضمين في الآية كما توهم. وقرىء «تقلب كفاه» أي تتقلب، ولا يخفى عليك أمر الجار والمجرور على هذا، وما إما مصدرية أي على إنفاقه في عمارتها، وإما موصولة أي على الذي أنفقه في عمارتها من المال، ويقدر على هذا مضاف إلى الموصول من الأفعال الاختيارية إذا كان متعلق الجار يُقَلِّبُ مرادا منه يندم لأن الندم إنما يكون على الأفعال الاختيارية، ويعلم من هذا وجه تخصيص الندم على ما أنفق بالذكر دون

<<  <  ج: ص:  >  >>