تعالى بأن يقول: أخبرك إن شاء الله تعالى، وفيه أيضا عتاب لموسى عليه السلام حيث اعتمد عليه في العلم بذهاب الحوت فلم يحصل له حتى نصب، ثم إن هذه الوسوسة لا تضر بمقام يوشع عليه السلام وإن قلنا إنه كان نبيا وقت وقوع هذه القصة.
وقال بعض المحققين: لعله نسي ذلك لاستغراقه في الاستبصار وانجذاب شراشره إلى جناب القدس بما اعتراه من مشاهدة الآيات الباهرة، وإنما نسبه إلى الشيطان مع أن فاعله الحقيقي هو الله تعالى والمجازي هو الاستغراق المذكور هضما لنفسه بجعل ذلك الاستغراق والانجذاب لشغله عن التيقظ للموعد الذي ضربه الله تعالى بمنزلة الوساوس ففيه تجوز باستعارة الشيطان لمطلق الشاغل،
وفي الحديث «إنه ليغان على قلبي فاستغفر الله تعالى في اليوم سبعين مرة»
أو لأن عدم احتمال القوة للجانبين واشتغالها بأحدهما عن الآخر يعد من نقصان صاحبها وتركه المجاهدات والتصفية فيكون قد تجوز بذلك عن النقصان لكونه سببه، وضم حفص الهاء في «أنسانيه» وهو قليل في مثل هذا التركيب قلة النسيان في مثل هذه الواقعة، والجمهور على الكسر وأمال الكسائي فتحة السين.
وقوله تعالى: أَنْ أَذْكُرَهُ بدل اشتمال من الهاء أي ما أنساني ذكره لك إلا الشيطان، قيل وفي تعليق الفعل بضمير الحوت أولا وبذكره له ثانيا على طريق الإبدال المنبئ عن تنحيته المبدل منه إشارة إلى أن متعلق النسيان ليس نفس الحوت بل ذكر أمره.
وفي مصحف عبد الله وقراءته «أن أذكركه» ، وفي إيثار أن والفعل على المصدر نوع مبالغة لا تخفى.
وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً الظاهر الذي عليه أكثر المفسرين أن مجموعه كلام يوشع وهو تتمة لقوله فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وفيه إنباء عن طرف آخر من أمره وما بينهما اعتراض قدم عليه للاعتناء بالاعتذار كأنه قيل حيي واضطرب ووقع في البحر واتخذ سبيله فيه سبيلا عجبا، فسبيله مفعول أول لاتخذ وفِي الْبَحْرِ حال منه وعَجَباً مفعول ثان، وفي ذكر السبيل ثم إضافته إلى ضمير الحوت ثم جعل الظرف حالا من المضاف تنبيه إجمالي على أن المفعول الثاني من جنس الأمور الغريبة، وفيه تشويق للمفعول الثاني وتكرير مفيد للتأكيد المناسب للمقام، فهذا التركيب في إفادة المراد أو في لحق البلاغة من أن يقال واتخذ في البحر سبيلا عجبا، وجوز أن يكون فِي الْبَحْرِ حالا من عَجَباً وأن يكون متعلقا باتخذ، وأن يكون المفعول الثاني له وعَجَباً صفة مصدر محذوف أي اتخاذا عجبا وهو كون مسلكه كالطاق والسرب، وجوز أيضا على احتمال كون الظرف مفعولا ثانيا أن ينصب عَجَباً بفعل منه مضمر أي أعجب عجبا، وهو من كلام يوشع عليه السلام أيضا تعجب من أمر الحوت بعد أن أخبر عنه، وقيل إن كلام يوشع عليه السلام قد تم عند الْبَحْرِ وقول أعجب عجبا كلام موسى عليه السلام كأنه قيل: وقال موسى: أعجب عجبا من تلك الحال التي أخبرت بها، وأنت تعلم أنه لو كان كذلك لجيء، بالجملة الآتية بالواو العاطفة على هذا المقدر، وقيل: يحتمل أن يكون المجموع من كلامه عز وجل وحينئذ يحتمل وجهين، أحدهما أن يكون إخبارا منه تعالى عن الحوت بأنه اتخذ سبيله في البحر عجبا للناس، وثانيهما أن يكون إخبارا منه سبحانه عن موسى عليه السلام بأنه اتخذ سبيل الحوت في البحر عجبا يتعجب منه، وعَجَباً على هذا مفعول ثان ولا ركاكة في تأخير قالَ الآتي عنه على هذا لأن استئناف لبيان ما صدر منه عليه السلام بعد، ويؤيد كونه من كلام يوشع عليه السلام قراءة أبي حيوة «واتخاذ» بالنصب على أنه معطوف على المنصوب في أَذْكُرَهُ قالَ أي موسى عليه السلام ذلِكَ الذي ذكرت من أمر الحوت ما كُنَّا نَبْغِ أي الذي كنا نطلبه من حيث إنه أمارة للفوز بما هو المطلوب بالذات، وقرىء «نبغ» بغير ياء في الوصل وإثباتها أحسن وهي قراءة أبي عمرو والكسائي ونافع، وأما الوقف