للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالأكثر فيه طرح الياء اتباعا لرسم المصحف، وأثبتها في الحالين ابن كثير فَارْتَدَّا أي رجعا عَلى آثارِهِما الأولى، والمراد طريقهما الذي جاءا منه قَصَصاً أي يقصانه قصصا أي يتبعانها اتباعا فهو من قص أثره إذا اتبعه كما هو الظاهر، ونصبه على أنه مفعول لفعل مقدر من لفظه، وجوز أن يكون حالا مؤولا بالوصف أي مقتصين حتى أتيا الصخرة التي فقد الحوت عندها.

فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا الجمهور على أنه الخضر بفتح الخاء وقد تكسر وكسر الضاد وقد تسكن، وقيل اليسع، وقيل اليأس، وقيل ملك من الملائكة وهو قول غريب باطل كما في شرح مسلم، والحق الذي تشهد له الأخبار الصحيحة هو الأول، والخضر لقبه ولقب به كما

أخرج البخاري وغيره عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأنه جلس على فروة (١) بيضاء فإذا هي تهتز من خلفه خضراء.

وأخرج ابن عساكر وجماعة عن مجاهد أنه لقب بذلك لأنه إذا صلى اخضر ما حوله

،

وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة أن ذلك لأنه كان إذا جلس في مكان اخضر ما حوله وكانت ثيابه خضرا

،

وأخرج عن السدي أنه إذا قام بمكان نبت العشب تحت رجليه حتى يغطي قدميه

، وقيل لإشراقه وحسنه، والصواب كما قال النووي الأول، وكنيته أبو العباس واسمه بليا بموحدة مفتوحة ولام ساكنة وياء مثناة تحتية، وفي آخره ألف قيل ممدودة، وقيل ابليا بزيادة همزة في أوله، وقيل عامر، وقيل أحمد ووهاه ابن دحية بأنه لم يسمع قبل نبينا صلّى الله عليه وسلّم أحد من الأمم السالفة بأحمد، وزعم بعضهم أن اسم الخضر اليسع وأنه إنما سمي بذلك لأن علمه وسع ست سموات وست أرضين ووهاه ابن الجوزي، وأنت تعلم أنه باطل لا واه، ومثله القول بأن اسمه الياس، واختلفوا في أبيه فأخرج الدارقطني في الأفراد، وابن عساكر من طريق مقاتل بن سليمان عن الضحاك عن ابن عباس أنه ابن آدم لصلبه، وأخرج ابن عساكر عن سعيد بن المسيب أن أمه رومية وأباه فارسي، ولم يذكر اسمه وذكر أن الياس أخوه من هذه الأم وهذا الأب، وأخرج أيضا عن أسباط عن السدي أنه ابن ملك من الملوك وكان منقطعا في عبادة الله تعالى وأحب أبوه أن يزوجه فأبى ثم أجاب فزوجه بامرأة بكر فلم يقربها سنة ثم بثيب فلم يقربها ثم فر فطلبه فلم يقدر عليه ثم تزوجت امرأته الأولى وكانت قد آمنت وهي ماشطة امرأة فرعون، ولم يذكر أيضا اسم أبيه، وقيل إنه ابن فرعون على ما قيل إنه أبوه وسبحان من يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي،

وأخرج أبو الشيخ في العظمة وأبو نعيم في الحلية عن كعب الأحبار أنه ابن عاميل وأنه ركب في نفر من أصحابه حتى بلغ بحر الهند وهو بحر الصين فقال: يا أصحابي دلوني فدلوه في البحر أياما وليالي ثم صعد فقال: استقبلني ملك فقال لي: أيها الآدمي الخطاء إلى أين ومن أين؟ فقلت: أردت أن أنظر عمق هذا البحر فقال لي: كيف وقد أهوى رجل من زمان داود عليه السلام، ولم يبلغ ثلث قعره حتى الساعة

وذلك ثلاثمائة سنة، وأظنك لا تشك بكذب هذا الخبر وإن قيل حدث عن البحر ولا حرج وقيل هو ابن العيص. وقيل هو ابن كليان بكاف مفتوحة ولام ساكنة وياء مثناة تحتية بعدها ألف ونون. وقال ابن قتيبة في المعارف: قال وهب بن منبه إنه ابن ملكان بفتح الميم وإسكان اللام ابن فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح عليه السلام. ولم يصح عندي شيء من هذه الأقوال بيد أن صنيع النووي عليه الرحمة في شرح مسلم يشعر باختيار أنه بليا بن ملكا وهو الذي عليه الجمهور والله تعالى أعلم.

وصح من حديث البخاري وغيره أنهما رجعا إلى الصخرة وإذا رجل مسجى بثوب قد جعل طرفه تحت رجليه


(١) هي وجه الأرض اه منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>