حفظه والانتفاع به وذكروا أن اليتيمين كانا غير عالمين بالكنز ولهما وصي يعلم به لكنه كان غائبا والجدار قد شارف فلو سقط لضاع فلذا أقامه رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ مفعول له لأراد وأقيم الظاهر مقام الضمير، وليس مفعولا له ليستخرجا لاختلاف الفاعل وبعضهم أجاز ذلك لعدم اشتراطه الاتحاد أو جعل المصدر من المبني للمفعول وأجاز أن يكون النصب على الحال وهو من ضمير يَسْتَخْرِجا بتأويل مرحومين، والزمخشري النصب على أنه مفعول مطلق لأراد فإن إرادة ذلك رحمة منه تعالى.
واعترض بأنه إذا كان أراد ربك بمعنى رحم كانت الرحمة من الرب لا محالة فأي فائدة في ذكر قوله تعالى مِنْ رَبِّكَ وكذا إذا كان مفعولا له وقيل: في الكلام حذف والتقدير فعلت ما فعلت رحمة من ربك فهو حينئذ مفعول له بتقدير إرادة أو رجاء رحمة ربك أو منصوب بنزع الخافض والرحمة بمعنى الوحي أي برحمة ربك ووحيه فيكون قوله وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي أي عن رأيي واجتهادي تأكيدا لذلك ذلِكَ إشارة إلى ما ذكر من العواقب المنظومة في سلك البيان، وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد درجته في الفخامة تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ أي تستطع وهو مضارع اسطاع بهمز الوصل وأصله استطاع على وزن استفعل ثم حذف تاء الافتعال تخفيفا وبقيت الطاء التي هي أصل. وزعم بعضهم أن السين عوض قلب الواو ألفا والأصل أطاع ولا حاجة تدعو إلى أن المحذوف هي الطاء التي هي فاء الفعل ثم دعوى أنهم أبدلوا من تاء الافتعال طاء لوقوعها بعد السين ويقال تستتيع بإبدال الطاء تاء وتستيع بحذف تاء الافتعال فاللغات أربع كما قال ابن السكيت، وما ألطف حذف أحد المتقاربين وبقاء الآخر في آخر هذا الكلام الذي وقع عنده ذهاب الخضر عن موسى عليهما السّلام.
وقال بعض المحققين: إنما خص هذا بالتخفيف لأنه لما تكرر في القصة ناسب تخفيف الأخير، وتعقب بأن ذلك مكرر أيضا وذاك أخف منه فلم لم يؤت به، وفيه أن الفرق ظاهر بين هذا وذلك، وقيل: إنما خص بالتخفيف للإشارة إلى أنه خف على موسى عليه السّلام ما لقيه ببيان سببه، وتعقب بأنه يبعده أنه في الحكاية لا المحكي وأنت تعلم هذا وكذا ما ذكرناه زهرة لا تتحمل الفرك والتأويل بالمعنى السابق الذي ذكر أنه المراد أي ذلك مآل وعاقبة الذي لم تستطع عَلَيْهِ صَبْراً من الأمور التي رأيت فيكون إنجازا للتنبئة الموعودة، وجوز أن تكون الإشارة إلى البيان نفسه فيكون التأويل بمعناه المشهور، وعلى كل حال فهو فذلكة لما تقدم، وفي جعل الصلة غير ما مر تكرير للتنكير وتشديد للعتاب، قيل: ولعل إسناد الإرادة أولا إلى ضمير المتكلم وحده أنه الفاعل المباشر للتعييب، وثانيا إلى ضمير المتكلم ومعه غيره لأن إهلاك الغلام بمباشرته وفعله وتبديل غيره موقوف عليه وهو بمحض فعل الله تعالى وقدرته فضمير- نا- مشترك بين الله تعالى والخضر عليه السّلام، وثالثا إلى الله تعالى وحده لأنه لا مدخل له عليه السّلام في بلوغ الغلامين. واعترض توجيه ضمير الجمع بأن اجتماع المخلوق مع الله تعالى في ضمير واحد لا سيما ضمير المتكلم فيه من ترك الأدب ما فيه. ويدل على ذلك ما
جاء من أن ثابت بن قيس بن شماس كان يخطب في مجلسه صلّى الله عليه وسلّم إذا وردت وفود العرب فاتفق أن قدم وفد تميم فقام خطيبهم وذكر مفاخرهم ومآثرهم فلما أتم خطبته قام ثابت وخطب خطبة قال فيها من يطع الله عز وجل ورسوله صلّى الله عليه وسلّم فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: بئس خطيب القوم أنت
، وصرح الخطابي أنه عليه الصلاة والسّلام كره منه ما فيه من التسوية، وأجيب بأنه قد وقع نحو ذلك في الآيات والأحاديث، فمن ذلك قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ [الأحزاب: ٥٦] فإن الظاهر أن ضمير يُصَلُّونَ عَلَى راجع إلى الله تعالى وإلى الملائكة.
وقوله صلّى الله عليه وسلّم في حديث الإيمان:«أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما»
ولعل ما كرهه صلّى الله عليه وسلّم من ثابت أنه وقف على قوله يعصهما: لا التسوية في الضمير، وظاهر هذا أنه لا