كراهة مطلقا في هذه التسوية وهو أحد الأقوال في المسألة. وثانيها ما ذهب إليه الخطابي أنها تكره تنزيها، وثالثها ما يفهمه كلام الغزالي أنها تكره تحريما، وعلى القول بالكراهة التنزيهية استظهر بعضهم أنها غير مطردة فقد تكره في مقام دون مقام. وبني الجواب عما نحن فيه على ذلك فقال: لما كان المقام الذي قام فيه ثابت مقام خطابة وإطناب وهو بحضرة قوم مشركين والإسلام غض طري كره صلّى الله عليه وسلّم التسوية منه فيه وأما مثل هذا المقام الذي القائل فيه والمخاطب من عرفت وقصد فيه نكتة وهو عدم استقلاله فلا كراهة للتسوية فيه. وخص بعض الكراهة بغير النبي صلّى الله عليه وسلّم وحينئذ يقوى الجواب عما ذكر لأنه إذا جازت للنبي صلّى الله عليه وسلّم فهو في كلام الله تعالى وما حكاه سبحانه بالطريق الأولى.
وخلاصة ما قرر في المسألة أن الحق أنه لا كراهة في ذلك في كلام الله تعالى ورسوله صلّى الله عليه وسلّم كما أشير إليه في شروح البخاري، وأما في حق البشر فلعل المختار أنه مكروه تنزيها في مقام دون مقام، هذا وأنا لا أقول باشتراك هذا الضمير بين الله تعالى والخضر عليه السّلام لا لأن فيه ترك الأدب بل لأن الظاهر أنه كضمير (خشينا) والظاهر في ذاك عدم الاشتراك لأنه محوج لارتكاب المجاز على أن النكتة التي ذكروها في اختيار التشريك في ضمير أردنا لا تظهر في اختياره في ضمير فَخَشِينا لأنه لم يتضمن الكلام الأول فعلين على نحو ما تضمنهما الكلام الثاني فتدبر، وقيل في وجه تغاير الأسلوب: إن الأول شر فلا يليق إسناده إليه سبحانه وإن كان هو الفاعل جل وعلا، والثالث خير فأفرد إسناده إلى الله عز وجل. والثاني ممتزج خبره وهو تبديله بخير منه وشره وهو القتل فأسند إلى الله تعالى وإلى نفسه نظرا لهما. وفيه أن هذا الإسناد في فَخَشِينا أيضا وأين امتزاج الخير والشر فيه، وجعل النكتة في التعبير ينافيه مجرد الموافقة لتاليه ليس بشيء كما لا يخفى، وقيل: الظاهر أنه أسند الإرادة في الأولين إلى نفسه لكنه تفنن في التعبير فعبر عنها بضمير المتكلم مع الغير بعد ما عبر بضمير المتكلم الواحد لأن مرتبة الانضمام مؤخرة عن مرتبة الانفراد مع أن فيه تنبيها على أنه من العظماء في علوم الحكمة فلم يقدم على هذا القتل إلا لحكمة عالية بخلاف التعييب، وأسند فعل الإبدال إلى الله تعالى إشارة إلى استقلاله سبحانه بالفعل وأن الحاصل للعبد مجرد مقارنة إرادة الفعل دون تأثير فيه كما هو المذهب الحق انتهى، وأنت تعلم أن الإبدال نفسه مما ليس لإرادة العبد مقارنة له أصلا وإنما لها مقارنة للقتل الموقوف هو عليه على أن في هذا التوجيه بعد ما فيه. وفي الانتصاف لعل إسناد الأول إلى نفسه خاصة من باب الأدب مع الله تعالى لأن المراد ثم عيب فتأدب عليه السّلام بأن نسب الإعابة إلى نفسه، وأما إسناد الثاني إلى- نا- فالظاهر أنه من باب قول خواص الملك أمرنا بكذا ودبرنا كذا وإنما يعنون أمر الملك العظيم. ودبر ويدل على ذلك قوله في الثالث: فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وهو كما ترى، وقيل: اختلاف الأسلوب لاختلاف حال العارف بالله سبحانه فإنه في ابتداء أمره يرى نفسه مؤثرة فلذا أسند الإرادة أولا إلى نفسه ثم يتنبه إلى أنه لا يستقل بالفعل بدون الله تعالى فلذا أسند إلى ذلك الضمير ثم يرى أنه لا دخل له وأن المؤثر والمريد إنما هو الله تعالى فلذا أسنده إليه سبحانه فقط وهذا مقام الفناء ومقام كان الله ولا شيء معه وهو الآن كما كان، وتعقب بأنه إن أريد أن هذه الأحوال مرت على الخضر عليه السّلام واتصف بكل منها أثناء المحاورة فهو باطل وكيف يليق أن يكون إذ ذاك ممن يتصف بالمرتبة الثانية فضلا عن المرتبة الأولى وهو الذي قد أوتي من قبل العلم اللدني. وإن أريد أنه عبر تعبير من اتصف بكل مرتبة من تلك المراتب وإن كان هو عليه السّلام في أعلاها فإن كان ذلك تعليما لموسى عليه السّلام فموسى عليه السّلام أجل من أن يعلمه الخضر عليه السّلام مسألة خلق الأعمال، وإن كان تعليما لغيره عليه السّلام فليس المقام ذلك المقام على تقدير أن يكون هناك غير يسمع منه هذا الكلام وإن أريد أنه عبر في المواضع الثلاثة بأسلوب مخصوص من هاتيك الأساليب إلا أنه سبحانه عبر في كل موضع بأسلوب فتعددت الأساليب في حكايته