تعالى القصة لنا تعليما وإشارة إلى هاتيك المراتب وإن لم يكن كلام الخضر عليه السّلام كذلك فالله تعالى أجل وأعظم من أن ينقل عن أحد كلاما لم يقله أو لم يقل ما بمعناه فالقول بذلك نوع افتراء عليه سبحانه. والذي يخطر ببال العبد الفقير أنه روعي في الجواب حال الاعتراض وما تضمنه وأشار إليه فلما كان الاعتراض الأول بناء (١) على أن لام لِتُغْرِقَ للتعليل متضمنا إسناد إرادة الإغراق إلى الخضر عليه السّلام وكان الإنكار فيه دون الإنكار فيما يليه بناء على ما اختاره المحققون من أن نُكْراً أبلغ من إِمْراً ناسب أن يشرح بإسناد إرادة التعييب إلى نفسه المشير إلى نفي إرادة الإغراق عنها التي يشير كلام موسى عليه السّلام إليها
وأن لا يأتي بما يدل على التعظيم أو ضم أحد معه في الإرادة لعدم تعظيم أمر الإنكار المحوج لأن يقابل بما يدل على تعظيم إرادة خلاف ما حسبه عليه السّلام وأنكره.
ولما كان الاعتراض الثاني في غاية المبالغة والإنكار هناك في نهاية الإنكار ناسب أن يشير إلى أن ما اعترض عليه وبولغ في إنكاره قد أريد به أمر عظيم ولو لم يقع لم يؤمن من وقوع خطب جسيم فلذا أسند الخشية والإرادة إلى ضمير المعظم نفسه أو المتكلم ومعه غيره فإن في إسناد الإرادة إلى ذلك تعظيما لأمرها وفي تعظيمه تعظيم أمر المراد وكذا في إسناد الخشية إلى ذلك تعظيم أمرها، وفي تعظيمه تعظيم أمر المخشي. وربما يقال بناء على إرادة الضم منا:
إن في ذلك الإسناد إشارة إلى أن ما يخشى وما يراد قد بلغ في العظم إلى أن يشارك موسى عليه السّلام في الخشية منه، وفي إرادته الخضر لا أن يستقل بإنكار ما هو من مبادئ ذلك المراد وبه ينقطع عن الأصلين عرق الفساد، ولما كان الاعتراض الثالث هينا جدا حيث كان بلفظ لا تصلب فيه ولا إزعاج في ظاهره وخافيه ومع هذا لم يكن على نفس الفعل بل على عدم أخذ الأجرة عليه ليستعان بها على إقامة جدار البدن وإزالة ما أصابه من الوهن فناسب أن يلين في جوابه المقام ولا ينسب لنفسه استقلالا أو مشاركة شيئا ما من الأفعال فلذا أسند الإرادة إلى الرب سبحانه وتعالى ولم يكتف بذلك حتى أضافه إلى ضميره عليه السّلام، ولا ينافي ذلك تكرير النكير والعتاب لأنه متعلق بمجموع ما من أولا من ذلك الجناب، هذا والله تعالى أعلم بحقيقة أسرار الكتاب وهو سبحانه الموفق للصواب، واستدل بقوله: وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي القائلون بنبوته عليه السّلام وهو ظاهر في ذلك، واحتمال أن يكون هناك نبي أمره بذلك عن وحي كما زعمه القائلون بولايته احتمال بعيد على أنه ليس في وصفه بقوله تعالى: آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً على هذا كثير فائدة بل قد يقال: أي فائدة في هذا العلم اللدني إذا احتاج في إظهار العجائب لموسى عليه السّلام إلى توسيط نبي مثله، وقال بعضهم: كان ذلك عن إلهام ويلزمه القول بأن الإلهام كان حجة في بعض الشرائع وأن الخضر من المكلفين بتلك الشريعة وإلا فالظاهر أن حجيته ليست في شريعة موسى عليه السّلام وكذا هو ليس بحجة في شريعتنا على الصحيح، ومن شذ وقال بحجيته اشترط لذلك أن لا يعارضه نص شرعي فلو أطلع الله تعالى بالإلهام بعض عباده على نحو ما اطلع عليه الخضر عليه السّلام من حال الغلام لم يحل له قتله، وما أخرجه الإمام أحمد عن عطاء أنه قال: كتب نجدة الحروري إلى ابن عباس يسأله عن قتل الصبيان فكتب إليه إن كنت الخضر تعرف الكافر من المؤمن فاقتلهم إنما قصد به ابن عباس كما قال السبكي المحاجة والإحالة على ما لم يمكن قطعا لطمعه في الاحتجاج بقصة الخضر وليس مقصوده رضي الله تعالى عنه أنه إن حصل ذلك يجوز القتل فما قاله اليافعي في روضه من أنه لو أذن الله تعالى لبعض عباده أن يلبس ثوب حرير مثلا وعلم الإذن يقينا فلبسه لم يكن منتهكا للشرع وحصول اليقين له من حيث حصوله للخضر بقتله للغلام إذ هو ولي لا نبي على الصحيح انتهى عثرة يكاد أن لا
(١) ويوشك أن يكون هذا من قبيل. وكلت للخل كما كال لي. على وفاء الكيل أو بخسه اه منه.