وأجيب بأن المراد أنها تذهب تحت الأرض حتى تصل إلى غاية الانحطاط وهي عند وصولها دائرة نصف النهار في سمت القدم بالنسبة إلى أفق القوم الذين غربت عنهم وذلك الوصول أشبه شيء بالسجود بل لا مانع أن تسجد هناك سجودا حقيقيا لائقا بها فالمراد من تحت العرش مكانا مخصوصا مسامتا لبعض أجزاء العرش وإلا فهي في كل وقت تحت العرش وفي جوفه، وهذا مبني على أنه جسم كريّ محيط بسائر الأفلاك والفلكيات وبه تحدد الجهات وهذا قول الفلاسفة، وسيأتي إن شاء الله تعالى في سورة طه ما يتعلق بذلك، وعلى ما ذكر فالمراد بمستقرها محل انتهاء انحطاطها فهي تجري عند كل قوم لذلك المحل ثم تشرع في الارتفاع، وقال الخطابي: يحتمل أن يكون المراد باستقرارها تحت العرش أنها تستقر تحته استقرارا لا نحيط به نحن وليس في سجودها كل ليلة تحت العرش ما يعيق عن دورانها في سيرها انتهى، وسيأتي إن شاء الله تعالى تمام الكلام في ذلك في سورة يس، وبالجملة لا يلزم على هذا التأويل خروج الشمس عن فلكها الممثل بل ولا عن خارج المركز وإن اختلف قربها وبعدها من العرش بالنسبة إلى حركتها في ذلك الخارج.
نعم ورد في بعض الآثار ما يدل على خروجها عن حيزها، فعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن الشمس إذا غربت رفع بها إلى السماء السابعة في سرعة طيران الملائكة وتحبس تحت العرش فتستأذن من أين تؤمر بالطلوع ثم ينطلق بها ما بين السماء السابعة وبين أسفل درجات الجنان في سرعة طيران الملائكة فتنحدر حيال المشرق من سماء إلى سماء فإذا وصلت إلى هذه السماء فذلك حين ينفجر الصبح فإذا وصلت إلى هذا الوجه من السماء فذلك حين تطلع الشمس وهو وإن لم تأباه قواعدنا من شمول قدرة الله تعالى سائر الممكنات وعدم امتناع الخرق والالتئام على الفلك مطلقا إلا أنه لا يتسنى مع تحقق غروبها عند قوم وطلوعها عند آخرين وبقائها طالعة نحو ستة أشهر في بعض العروض إلى غير ذلك مما لا يخفى فلعل الخبر غير صحيح.
وقد نص الجلال السيوطي على أن أبا الشيخ رواه بسند واه ثم إن الظاهر على رواية البخاري ورواية ابن أبي شيبة ومن معه أن أبا ذر رضي الله تعالى عنه سئل مرتين إلا أنه رد العلم في الثانية إلى الله تعالى ورسوله صلّى الله عليه وسلّم طلبا لزيادة الفائدة ومبالغة في الأدب مع الرسول عليه الصلاة والسّلام والله تعالى أعلم.
وَوَجَدَ عِنْدَها أي عند تلك العين على ساحل البحر قَوْماً لباسهم على ما قيل: جلود السباع وطعامهم ما لفظه البحر، قال وهب بن منبه: هم قوم يقال لهم: ناسك لا يحصيهم كثرة إلا الله تعالى.
وقال أبو زيد السهيلي: هم قوم من نسل ثمود كانوا يسكنون جابرسا وهي مدينة عظيمة لها اثنا عشر بابا ويقال لها بالسريانية: جرجيسا، وروي نحو ذلك عن ابن جريج، وزعم ابن السائب أنه كان فيهم مؤمنون وكافرون، والذي عليه الجمهور أنهم كانوا كفارا فخيره الله تعالى بين أن يعذبهم بالقتل وأن يدعوهم إلى الإيمان وذلك قوله تعالى: قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ بالقتل من أول الأمر وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً أي أمرا ذا حسن على حذف المضاف أو على طريقة الوصف بالمصدر للمبالغة وذلك بالدعوة إلى الحق والإرشاد إلى ما فيه الفوز بالدرجات ومحل إن مع صلته إما الرفع على الابتداء أو على الخبر وإما النصب على المفعولية إما تعذيبك واقع أو إما أمرك تعذيبك أو إما تفعل أو توقع تعذيبك وهكذا الحال في الاتخاذ، وقدم التعذيب لأنه الذي يستحقونه في الحال لكفرهم، وفي التعبير- بإما أن تتخذ فيهم حسنا- دون إما أن تدعوهم مثلا إيماء إلى ترجيح الشق الثاني، واستدل بالآية من قال بنبوته، والقول عند بعضهم بواسطة ملك وعند آخرين كفاحا ومن لم يقل بنبوته قال: كان الخطاب بواسطة نبي