نومته- عن الكفر والاحتجاب فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ القلب والنفس، أو بين الروح والنفس بتكدير القلب وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ بزيادة الاحتجاب وغلبة هوى النفس وَلا يَنْفَعُهُمْ كسائر العلوم في رفع الحجاب وتخلية النفس وتزكيتها وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ في مقام الفناء والرجوع إلى الحق سبحانه من نصيب لإقباله على العالم السفلي وبعده عن العالم العلوي بتكدر جوهر قلبه، وانهماكه برؤية الأغيار وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا برؤية الأفعال من الله تعالى واتقوا الشرك بإثبات ما سواه لأثيبوا بمثوبة مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تعالى دائمة، ولرجعوا إليه، وذلك خَيْرٌ لهم لَوْ كانُوا من ذوي العلم والعرفان والبصيرة والإيقان.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا الرعي حفظ الغير لمصلحته سواء كان الغير عاقلا أو لا، وسبب نزول الآية- كما أخرج أبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه- أن اليهود كانوا يقولون ذلك سرا لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وهو سب قبيح بلسانهم، فلما سمعوا أصحابه عليه الصلاة والسلام يقولون: أعلنوا بها، فكانوا يقولون ذلك ويضحكون فيما بينهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وروي أن سعد بن عبادة رضي الله تعالى عنه سمعها منهم، فقال: يا أعداء الله عليكم لعنة الله، والذي نفسي بيده لئن سمعتها من رجل منكم يقولها لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لأضربن عنقه، قالوا: أولستم تقولونها؟ فنزلت الآية ونهي المؤمنون سدا للباب، وقطعا للألسنة وإبعادا عن المشابهة. وأخرج عبيد وابن جرير والنحاس عن عطاء قال: كانت راعِنا لغة الأنصار في الجاهلية فنهاهم الله تعالى عنها في الإسلام، ولعل المراد أنهم يكثرونها في كلامهم واستعملها اليهود سبا فنهوا عنها. وأما دعوى أنها لغة مختصة بهم فغير ظاهر لأنها محفوظة في لغة جميع العرب منذ كانوا، وقيل: ومعنى هذه الكلمة عند اليهود لعنهم الله تعالى اسمع- لا سمعت- وقيل: أرادوا نسبته صلى الله تعالى عليه وسلم وحاشاه إلى الرعن، فجعلوه مشتقا من الرعونة وهي الجهل والحمق، وكانوا إذا أرادوا أن يحمقوا إنسانا قالوا: راعنا، أي يا أحمق- فالألف حينئذ لمد الصوت- وحرف النداء محذوف- وقد ذكر الفراء أن أصل يا زيد يا زيدا- بالألف- ليكون المنادى بين صوتين، ثم اكتفي بيا ونوي الألف، ويحتمل أنهم أرادوا به المصدر، أي- رعنت رعونة- أو أرادوا صرت راعنا وإسقاط- التنوين- على اعتبار الوقف، وقد قرأ الحسن وابن أبي ليلى، وأبو حيوة وابن محيصن- بالتنوين- وجعله الكثير صفة لمصدر محذوف، أي قولا: راعِنا وصيغة فاعل حينئذ للنسبة- كلابن وتامر- ووصف القول به للمبالغة كما يقال:
كلمة حمقاء، وقرأ عبد الله وأبيّ «راعونا» على إسناد الفعل لضمير الجمع للتوقير- كما أثبته الفارسي- وذكر أن في مصحف عبد الله «ارعونا» وذهب بعض العلماء أن سبب النهي أن لفظ المفاعلة يقتضي الاشتراك في الغالب- فيكون المعنى عليه- ليقع منك رعي لنا، ومنا رعي لك، وهو مخل بتعظيمه صلى الله تعالى عليه وسلم، ولا يخفى بعده عن سبب النزول بمراحل وَقُولُوا انْظُرْنا أي انتظرنا وتأن علينا، أو انظر إلينا، ليكون ذلك أقوى في الإفهام والتعريف، وكان الأصل أن يتعدى الفعل بإلى، لكنه توسع فيه فتعدى بنفسه على حد قوله:
ظاهرات الجمال والحسن ينظر ... ن كما ينظر «الأراك.. الظباء»
وقيل: هو من نظر البصيرة، والمراد به التفكر والتدبر فيما يصلح حال المنظور في أمره والمعنى تفكر في أمرنا وخير الأمور عندي أوسطها إلا أنه ينبغي أن يقيد نظر العين بالمقترن بتدبير الحال لتقوم هذه الكلمة مقام الأولى خالية من التدليس، وبدأ بالنهي لأنه من باب التروك فهو أسهل ثم أتى بالأمر بعده الذي هو أشق لحصول الاستئناس قبل بالنهي، وقرأ أبيّ والأعمش- أنظرنا- بقطع الهمزة وكسر الظاء من الإنظار ومعناه أمهلنا حتى نتلقى عنك ونحفظ ما نسمعه منك، وهذه القراءة تشهد للمعنى الأول على قراءة الجمهور إلا أنها على شذوذها لا تأبى ما اخترناه