للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واشتعل المبيض في مسوده ... مثل اشتعال النار في جزل النساء

وعن أبي عمرو أنه أدغم السين في الشين وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا أي لم أكن بدعائي إياك خائبا في وقت من أوقات هذا العمر الطويل بل كلما دعوتك استجبت لي، والجملة معطوفة على ما قبلها، وقيل حال من ياء المتكلم إذ المعنى واشتعل رأسي وهو غريب، وهذا توسل منه عليه السّلام بما سلف منه تعالى من الاستجابة عند كل دعوة إثر تمهيد ما يستدعي الرحمة من كبر السن وضعف الحال فإنه تعالى بعد ما عود عبده الإجابة دهرا طويلا لا يكاد يخيبه أبدا لا سيما عند اضطراره وشدة افتقاره، وفي هذا التوسل من الإشارة إلى عظم كرم الله عز وجل ما فيه.

وقد حكى أن حاتما الطائي، وقيل معن بن زائدة أتاه محتاج فسأله وقال: أنا الذي أحسنت إليه وقت كدا فقال:

مرحبا بمن توسل بنا إلينا وقضى حاجته، وقيل المعنى ولم أكن بدعائك إياي إلى الطاعة شقيا بل كنت ممن أطاعك وعبدك مختصا فالكاف على هذا فاعل والأول أظهر وأولى وروي ذلك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، والتعرض في الموضعين لوصف الربوبية المنبئة عن إفاضة ما فيه صلاح المربوب مع الإضافة إلى ضميره عليه السّلام لا سيما توسيطه بين كان وخبرها لتحريك سلسلة الإجابة بالمبالغة في التضرع.

وقد جاء في بعض الآثار أن العبد إذا قال في دعائه: يا رب قال الله تعالى له: لبيك عبدي

.

وروي أن موسى عليه السّلام قال يوما في دعائه: يا رب فقال الله سبحانه وتعالى له: لبيك يا موسى فقال موسى: أهذا لي خاصة فقال الله تبارك وتعالى: لا ولكن لكل من يدعوني بالربوبية

، وقيل: إذا أراد العبد أن يستجاب له دعاؤه فليدع الله تعالى بما يناسبه من أسمائه وصفاته عز وجل وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ هم عصبة الرجل على ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما. ومجاهد، وعن الأصم أنهم بنو العم وهم الذين يلونه في النسب. وقيل: من يلي أمره من ذوي قرابته مطلقا، وكانوا على سائر الأقوال شرار بني إسرائيل فخاف عليه السّلام أن لا يحسنوا خلافته في أمته، والجملة عطف على قوله إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي مترتب مضمونها على مضمونة فإن ضعف القوى وكبر السن من مبادئ خوفه عليه السّلام من يلي أمره بعد موته حسبما يدل عليه قوله مِنْ وَرائِي فإن المراد منه بإجماع من علمنا من المفسرين من بعد موتي، والجار والمجرور متعلق بمحذوف ينساق إليه الذهن أي خفت فعل الموالي من ورائي أو جور المولى وقد قرىء كما في إرشاد العقل السليم كذلك، وجوز تعلقه بالموالي ويكفي في ذلك وجود معنى الفعل فيه في الجملة، فقد قالوا: يكفي في تعلق الظرف رائحة الفعل ولا يشترط فيه أن يكون دالا على الحدوث كاسم الفاعل والمفعول حتى يتكلف له ويقال: إن اللام في الموالي على هذا موصول والظرف متعلق بصلته وإن مولى مخفف مولى كما قيل في معنى أنه مخفف معنى فإنه تعسف لا حاجة إليه، نعم قالوا في حاصل المعنى على هذا: خفت الذين يلون الأمر من ورائي، ولم يجوز الزمخشري تعلقه بخفت لفساد المعنى، وبين ذلك في الكشف بأن الجار ليس صلة الفعل لتعديه إلى المحذور بلا واسطة فتعين أن يكون للظرفية على نحو خفت الأسد قبلك أو من قبلك وحينئذ يلزم أن يكون الخوف ثابتا بعد موته وفساده ظاهر وبعضهم رأى جواز التعلق بناء على أن كون المفعول في ظرف مصحح لتعلق ذلك الظرف بفعله كقولك: رميت الصيد في الحرم إذا كان الصيد فيه دون رميك والظاهر عدم الجواز فافهم، وقال ابن جني: هو حال مقدرة من الْمَوالِيَ وعن ابن كثير أنه قرأ «ومن وراي» بالقصر وفتح الياء كعصاي.

وقرأ الزهري «الموالي» بسكون الياء. وقرأ عثمان بن عفان وابن عباس وزيد بن ثابت وعلي بن الحسين وولداه محمد بن وزيد وسعيد بن العاص وابن جبير وأبو يعمر وشبيل بن عزرة والوليد بن مسلم لابن عامر «خفّت» بفتح الخاء والفاء مشددة وكسر تاء التأنيث «الموالي» بسكون الياء على أن «خفت» من الخفة ضد الثقل ومعنى مِنْ وَرائِي

<<  <  ج: ص:  >  >>