شأنه أن يكون كذلك، وعلى ما قلنا يكون دعاء بتوفيقه للعمل كما أن الأول متضمن للدعاء بتوفيقه للعلم فكأنه طلب أن يكون ولده عالما عاملا، وقيل: المراد اجعله مرضيا بين عبادك أي متبعا فلا يكون هناك تأكيد مطلقا، وتوسيط رَبِّ بين مفعولي الجعل على سائر الأوجه للمبالغة في الاعتناء بشأن ما يستدعيه.
واختار السكاكي أن الجملتين مستأنفتان استئنافا بيانيا لأنه يرد أنه يلزم على الوصفية أن لا يكون قد وهب لزكريا عليه السّلام من وصف لهلاك يحيى عليه السّلام قبل هلاكه لقتل يحيى عليه السّلام قبل قتله. وتعقب ذلك في الكشف بأنه مدفوع بأن الروايات متعارضة والأكثر على هلاك زكريا قبله عليهما السّلام، ثم قال: وأما الجواب بأنه لا غضاضة في أن يستجاب للنبي بعض ما سأل دون بعض ألا ترى إلى دعوة نبينا صلّى الله عليه وسلّم في حق أمته حيث
قال عليه الصلاة والسّلام: «وسألته أن لا يذيق بعضهم بأس بعض فمنعنيها»
وإلى دعوة إبراهيم عليه السّلام في حق أبيه فإنما يتم لو كان المحذور ذلك وإنما المحذور لزوم الخلف في خبره تعالى فقد قال سبحانه وتعالى في [الأنبياء: ٨٤، ٨٨، ٩٠] فَاسْتَجَبْنا لَهُ وهو يدل على أنه عليه السّلام أعطى ما سأل من غير تفرقة بين بعض وبعض وكذلك سياق الآيات الأخر. ولك أن تستدل بظاهر هذه الآية على ضعف رواية من زعم أن يحيى هلك قبل أبيه عليهما السّلام، وأما الإيراد بأن ما اختير من الحمل على الاستئناف لا يدفع المحذور لأنه وصل معنوي فليس بشيء لأن الوصل ثابت ولكنه غير داخل في المسئول لأنه بيان العلة الباعثة على السؤال ولا يلزم أن يكون علة السؤال مسؤولة انتهى.
وأجاب بعضهم بأنه حيث كان المراد من الوراثة هنا وراثة العلم لا يضر هلاكه قبل أبيه عليهما السّلام لحصول الغرض وهو أخذ ذلك وإفاضته على الغير بحيث تبقى آثاره بعد زكريا عليه السّلام زمانا طويلا ولا يخفى أن المعروف بقاء ذات الوارث بعد الموروث عنه.
وقرأ أبو عمرو والكسائي والزهري والأعمش وطلحة واليزيدي وابن عيسى الأصفهاني وابن محيصن وقتادة بجزم الفعلين على أنهما جواب الدعاء والمعنى أن تهب لي ذلك يرثني إلخ، والمراد أنه كذلك في ظني ورجائي، وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه. وابن عباس وجعفر بن محمد رضي الله تعالى عنهم والحسن وابن يعمر والجحدري وأبو حرب بن أبي الأسود وأبو نهيك «يرثني» بالرفع «وأرث» فعلا مضارعا من ورث وخرج ذلك على أن المعنى يرثني العلم وأرث أنا به الملك من آل يعقوب وذلك بجعل وراثة الولي الملك وراثة لزكريا عليه السّلام لأن رفعة الولد للوالد والواو لمطلق الجمع، وقال بعضهم: والواو للحال والجملة حال من أحد الضميرين، وقال صاحب اللوامح: فيه تقديم ومعناه فهب لي وليا من آل يعقوب يرثني النبوة إن مت قبله وأرثه ماله إن مات قبلي وفيه ما ستعلمه إن شاء الله تعالى قريبا،
ونقل عن علي كرم الله تعالى وجهه، وجماعة أنهم قرأوا «يرثني وأرث» برفع وأرث بزنة فاعل
على أنه فاعل يرثني على طريقة التجريد كما قال أبو الفتح، وغيره أي يرثني ولي من ذلك الولي أو به فقد جرد من الولي وليا كما تقول رأيت منه أو به أسدا، وعن الجحدري أنه قرأ «وأرث» بإمالة الواو، وقرأ مجاهد «أو يرث» تصغير وأرث وأصله ويرث بواوين الأولى فاء الكلمة الأصلية والثانية بدل ألف فاعل لأنها تقلب واوا في التصغير كضو يرب ولما وقعت الواو مضمومة قبل أخرى في أوله قلبت همزة كما تقرر في التصريف ونقل عنه أنه قال التصغير لصغره فإنه عليه السّلام لما طلبه في كبره علم ولو حدسا أنه يرثه في صغر سنه، وقيل: للمدح وليس بذاك.
هذا واستدل الشيعة بالآية على أن الأنبياء عليهم السّلام تورث عنهم أموالهم لأن الوراثة حقيقية في وراثة المال ولا داعي إلى الصرف عن الحقيقة، وقد ذكر الجلال السيوطي في الدر المنثور عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة وأبي صالح أنهم قالوا في الآية: يرثني مالي
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن أنه صلّى الله عليه وسلّم