للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مر غير مرة أي كيف أو من أين يحدث لي غلام، ويجوز أن يتعلق اللام بمحذوف وقع حالا من غُلامٌ أي أنى يحدث كائنا لي غلام أو ناقصة واسمها ظاهر وخبرها إما أنى ولِي متعلق بمحذوف كما مر أو هو الخبر وأنى نصب على الظرفية، وقوله تعالى وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً حال من ضمير المتكلم بتقدير قد وكذا قوله تعالى وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا حال منه مؤكدة للاستبعاد إثر تأكيد، ومن للابتداء العلي، والعتى من عتي يعتو اليبس والقحول في المفصال والعظام.

وقال الراغب: هو حالة لا سبيل إلى إصلاحها ومداوتها، وقيل إلى رياضتها وهي الحالة المشار إليها بقول الشاعر: ومن العناء رياضة الهرم. وأصله عتوو كقعود فاستثقل توالي الضمتين والواوين فكسرت التاء فانقلبت الأولى ياء لسكونها وانكسار ما قبلها ثم انقلبت الثانية أيضا لاجتماع الواو والياء وسبق إحداهما بالسكون وكسرت العين اتباعا لما بعدها أي كانت امرأتي عاقرا لم تلد في شبابها وشبابي فكيف وهي الآن عجوز وقد بلغت أنا من أجل كبر السن يبسا وقحولا أو حالة لا سبيل إلى إصلاحها وقد تقدم لك الأقوال في مقدار عمره عليه السّلام إذ ذاك. وأما عمر امرأته فقد قيل إنه كان ثماني وتسعين.

وجوز أن تكون مِنَ للتبعيض أي بلغت من مدارج الكبر ومراتبه ما يسمى عتيا، وجعلها بعضهم بيانية تجريدية وفيه بحث والجار والمجرور إما متعلق بما عنده أو بمحذوف وقع حالا من عِتِيًّا وهو نصب على المفعولية وأصل المعنى متحد مع قوله تعالى في آل عمران حكاية عنه بلغني الكبر والتفاوت في المسند إليه لا يضر فإن ما بلغك من المعاني فقد بلغته نعم بين الكلامين اختلاف من حيثية أخرى لا تخفى فيحتاج اختيار كل منهما في مقام إلى نكتة فتدبر ذاك، وكذا وجه البداءة هاهنا بذكر حال امرأته عليه السّلام على عكس ما في تلك السورة.

وفي إرشاد العقل السليم لعل ذلك لما أنه قد ذكر حاله في تضاعيف دعائه وإنما المذكور هاهنا بلوغه أقصى مراتب الكبر تتمة لما ذكر قبل وأما هنا لك فلم يسبق في الدعاء ذكر حاله فلذلك قدمه على ذكر حال امرأته لما أن المسارعة إلى بيان قصور شأنه أنسب اهـ.

وقال بعضهم: يحتمل تكرر الدعاء والمحاورة واختلاف الأسلوب للتفنن مع تضمن كل ما لم يتضمنه الآخر فتأمل والله تعالى الموفق، والظاهر أنه عليه السّلام كان يعرف من نفسه أنه لم يكن عاقرا، ولذلك ذكر الكبر ولم يذكر العقر وإنما قال عليه السّلام ما ذكر مع سبق دعائه بذلك وقوة يقينه بقدرة الله تعالى لا سيما بعد مشاهدته للشواهد المذكورة في سورة آل عمران استعظاما لقدرة الله تعالى واعتدادا بنعمته تعالى عليه في ذلك بإظهار أنه من محض فضل الله تعالى ولطفه مع كونه في نفسه من الأمور المستحيلة عادة ولم يكن ذلك استبعادا كذا قيل.

وقيل: هو استبعاد لكنه ليس راجعا إلى المتكلم بل هو بالنسبة إلى المبطلين، وإنما طلب عليه السّلام ما يزيل شوكة استبعادهم ويجلب ارتداعهم من سيء عادتهم، وذلك مما لا بأس به من النبي خلافا لابن المنير، نعم أورد على ذلك أن الدعاء كان خفيا عن المبطلين.

وأجيب بأنه يحتمل أنه جهر به بعد ذلك إظهارا لنعمة الله تعالى عليه وطلبا لما ذكر فتذكر، وقيل: هو استبعاد راجع إلى المتكلم حيث كان بين الدعاء والبشارة ستون سنة، وكان قد نسي عليه السّلام دعاءه وهو بعيد جدا.

وقال في الانتصاف: الظاهر والله تعالى أعلم أن زكريا عليه السّلام طلب ولدا على الجملة وليس في الآية ما يدل أنه يوجد منه وهو هرم ولا إنه من زوجته وهي عاقر ولا أنه يعاد عليهما قوتهما وشبابهما كما فعل بغيرهما أو يكون الولد من غير زوجته العاقر فاستبعد الولد منهما وهما بحالهما فاستخبر أيكون وهما كذلك فقيل له كذلك أي يكون

<<  <  ج: ص:  >  >>