للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الولد وأنتما كذلك. وتعقب بأن قوله فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ظاهر في أنه طلب الولد وهما على حالة يستحيل عادة منهما الولد.

والظاهر عندي كونه استبعادا من حيث العادة أو هو بالنسبة إلى المبطلين وهو كما في الكشف أولى. وقرأ أكثر السبعة «عتيّا» بضم العين، وقرأ ابن مسعود بفتحها وكذا بفتح صاد صِلِيًّا [مريم: ٧٠] وأصل ذلك كما قال ابن جني ردا على قول ابن مجاهد لا أعرف لهما في العربية أصلا ما جاء من المصادر على فعيل نحو الحويل والزويل وعن ابن مسعود أيضا ومجاهد أنهما قرأ «عسيا» بضم العين وبالسين مكسورة. وحكى ذلك الداني عن ابن عباس والزمخشري عن أبي، ومجاهد وهو من عسا العود يعسو إذا يبس.

قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ قرأ الحسن «وهو علي هين» بالواو، وعنه أنه كسر ياء المتكلم كما في قوله النابغة:

علي لعمرو نعمة بعد نعمة ... لوالده ليست بذات عقارب

ونحو ذلك قراءة حمزة وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ [إبراهيم: ٢٢] بكسر الياء، والكاف إما رفع على الخبرية لمبتدأ محذوف أي الأمر كذلك وضمير قالَ للرب عز وجل لا للملك المبشر لئلا يفك النظم، وذلك إشارة إلى قول زكريا عليه السّلام، والخطاب في قالَ رَبُّكَ له عليه السّلام لا لنبينا صلّى الله عليه وسلّم بدليل السابق واللاحق، وجملة هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ مفعول قالَ الثاني وجملة الأمر كذلك مع جملة قالَ رَبُّكَ إلخ مفعول قالَ الأول وإن لم يتخلل بين الجملتين عاطف كما في قوله تعالى: وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [هود: ٤١] وقوله سبحانه وتعالى: قالُوا أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ لَقَدْ وُعِدْنا [المؤمنون: ٨٢، ٨٣] الآية وكم وكم، وجيء بالجملة الأولى تصديقا منه تعالى لزكريا عليه السّلام وبالثانية جوابا لما عسى يتوهم من أنه إذا كان ذلك في الاستبعاد بتلك المنزلة وقد صدقت فيه فأنى يتسنى فهي في نفسها استئنافية لذلك، ولا يحسن تخلل العاطف في مثل هاتين الجملتين إذا كان المحكي عنه قد تكلم بهما معا من غير عاطف ليدل على الصورة الأولى للقول بعينها، وكذلك لا يحسن إضمار قول آخر لأنه يكون استئنافا جوابا للمحكي له فلا يدل على أنه استئناف أيضا في الأول إلا بمنفصل أما لو تكلم بهما في زمانين أو بدون ذلك الترتيب فالظاهر العطف أو الاستئناف بإضمار القول.

ثم لو كان الاقتصار في جواب زكريا عليه السّلام على هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ من دون إقحام قالَ رَبُّكَ لكان مستقيما لكن إنما عدل إليه للدلالة على تحقيق الوعد وإزالة الاستبعاد بالكلية على منوال ما إذا وعد ملك بعض خواصه ما لا يجد نفسه تستأهل ذلك فأخذ يتعجب مستبعدا أن يكون من الملك بتلك المنزلة فحاول أن يحقق مراده ويزيل استبعاده فأما أن يقول لا تستبعد أنه أهون شيء على الكلام الظاهر وإما أن يقول لا تستبعد قد قلت إنه أهون شيء علي إشارة منه إلى أنه وعد سبق القول به وتحتم وأنه من جلالة القدر بحيث لا يرى في إنجازه لباغيه كائنا من كان وقعا فكيف لمن استحق منه لصدق قدمه في عبوديته إجلالا ورفعا، وهذا قول بلسان الإشارة يصدق وإن لم يكن قد سيق منه نطق به لأن المقصود أن علو المكانة وسعة القدرة وكمال الجود يقضي بذلك قيل: أولا أولا ثم إذا أراد ترشيح هذا المعنى عدل عن الحكاية قائلا: قد قال من أنت غرس نعمائه أنه أهون شيء علي ثم إذا حكى الملك القصة مع بعض خلصائه كان له أن يقول: قلت لعبدي فلان كيف وكيت قال: إني وليت قلت قال من أنت إلخ وأن يقول بدله قال سيد فلان له ويسرد الحديث فهذا وزان الآية فيما جرى لزكريا عليه السّلام وحكى لنبينا عليه أفضل الصلاة وأكمل والسّلام، وقد لاح من هذا التقرير إن فوات نكتة الإقحام مانع من أن يجعل المرفوع من صلة قالَ الثاني والمجموع

<<  <  ج: ص:  >  >>