قوله هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وفي إيثار الأولى اسمية دالة على لزوم الهون مزيلة للاستبعاد والثانية فعلية دالة على أنه تعالى أنشأه لكونه آية ورحمة خاصة لا لأمر آخر ينافيه مرادا بها التجدد لتجدد الوجود لينتقل من الاستبعاد إلى الاستحماد ما لا يخفى من الفخامة انتهى.
ولا يرد أنه إذا قدر علة لنبين جاز أن يكون ذلك متعلقا بما يدل عليه هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ من غير حذف شيء فلا يصح قوله لم يكن بد من معلل محذوف لظهور ما فيه. وما ذكره من العطف خالف فيه بعضهم فجعل الواو على الأول اعتراضية، ومن الناس من قال: إن لِنَجْعَلَهُ على قراءة «ليهب» عطف عليه على طريق الالتفات من الغيبة إلى التكلم. وجوز أيضا العطف على لِأَهَبَ
على قراءة أكثر السبعة، ولا يخفى بعد هذا العطف على القراءتين وَكانَ ذلك أَمْراً مَقْضِيًّا محكما قد تعلق به قضاؤنا الأزلي أو قدر وسطر في اللوح لا بد لك منه أو كان أمرا حقيقا بمقتضى الحكمة والتفضل أن يفعل لتضمنه حكما بالغة: وهذه الجملة تذييل إما لمجموع الكلام أو للأخير فَحَمَلَتْهُ الفاء فصيحة أي فاطمأنت إلى قوله فدنا منها فنفخ في جيبها فدخلت النفخة في جوفها فحملته. وروي هذا عن ابن عباس وقيل: لم يدن عليه السّلام بل نفخ عن بعد فوصل الريح إليها فحملت. وقيل: إن النفخة كانت في كمها وروي ذلك عن ابن جريج. وقيل كانت في ذيلها، وقيل كانت في فمها.
واختلفوا في سنها إذ ذاك فقيل ثلاث عشرة سنة، وعن وهب ومجاهد خمس عشرة سنة، وقيل: أربع عشرة سنة، وقيل: اثنتا عشرة سنة، وقيل: عشر سنين وقد كانت حاضت حيضتين قبل أن تحمل، وحكى محمد بن الهيصم رئيس الهيصمية من الكرامية أنها لم تكن حاضت بعد، وقيل: إنها عليها السّلام لم تكن تحيض أصلا بل كانت مطهرة من الحيض. وكذا اختلفوا في مدة حملها ففي رواية عن ابن عباس أنها تسعة أشهر كما في سائر النساء وهو المروي عن الباقر رضي الله تعالى عنه لأنها لو كانت مخالفة لهن في هذه العادة لناسب ذكرها في أثناء هذه القصة الغريبة. وفي رواية أخرى عنه أنها كانت ساعة واحدة كما حملته نبذته، واستدل لذلك بالتعقيب الآتي وبأنه سبحانه قال في وصفه إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [آل عمران: ٥٩] فإنه ظاهر في أنه عز وجل قال له كن فيكون فلا يتصور فيه مدة الحمل. وعن عطاء وأبي العالية والضحاك أنها كانت سبعة أشهر، وقيل: كانت ستة أشهر، وقيل: حملته في ساعة وصور في ساعة ووضعته في ساعة حين زالت الشمس من يومها، والمشهور أنها كانت ثمانية أشهر، قيل: ولم يعش مولود وضع لثمانية غيره عليه السّلام.
ونقل النيسابوري عن أهل التنجيم أن ذلك لأن الحمل يعود إلى تربية القمر فتستولي عليه البرودة والرطوبة وهو ظاهر في أن مربي الحمل في أول شهور الحمل القمر وفي الثامن يعود الأمر إليه عند المنجمين وهو مخالف لما في كفاية التعليم عنهم من أن أول الشهور منسوب إلى زحل والثاني إلى المشتري وهكذا إلى السابع وهو منسوب إلى القمر ثم ترجع النسبة إلى زحل ثم إلى المشتري: وفيها أيضا أن جهال المنجمين يقولون إن النطفة في الشهر الأول تقبل البرودة من زحل فتجمد، وفي الثاني تقبل القوة النامية من المشتري فتأخذ في النمو، وفي الثالث تقبل القوة الغضبية من المريخ وفي الرابع قوة الحياة من الشمس وفي الخامس قوة الشهوة من الزهرة وفي السادس قوة النطق من عطارد وفي السابع قوة الحركة من القمر فتتم خلقة الجنين فإن ولد في ذلك الوقت عاش وإلا فإن ولد في الثامن لم يعش لقبوله قوة الموت من زحل وإن ولد في التاسع عاش لأنه قبل قوة المشتري، ومثل تلك الكلمات خرافات وكل امرأة تعرف أن النطفة إذا مضت عليها ثلاثة أشهر تتحرك، وقد ذكر حكماء الطبيعة أن أقل مدة الولادة ستة أشهر ومدة الحركة ثلث مدة الولادة فيكون أقلها شهرين ومن امتحن الإسقاط يعلم أن الخلقة تتم في أقل من خمسين يوما انتهى.