أن يكون هارون مطلقا على نسله كهاشم وتميم، والمراد بالأخت أنها واحدة منهم كما يقال أخا العرب وهو المروي عن السدي.
ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا تقرير لكون ما جاءت به فريا أو تنبيه على أن ارتكاب الفواحش من أولاد الصالحين أفحش وفيه دليل على أن الفروع غالبا تكون زاكية إذا زكت الأصول وينكر عليها إذا جاءت بضد ذلك. وقرأ عمر بن بجا التيمي الشاعر الذي كان يهاجي جريرا: ما كان أباك امرؤ سوء. بجعل الخبر المعرفة والاسم النكرة. وحسن ذلك قليلا وجود مسوغ الابتداء فيها وهو الإضافة.
فَأَشارَتْ إِلَيْهِ أي إلى عيسى عليه السّلام أن كلموه. قال شيخ الإسلام: والظاهر أنها بينت حينئذ نذرها وأنها بمعزل من محاورة الإنس حسبما أمرت ففيه دلالة على أن المأمور به بيان نذرها بالإشارة لا بالعبارة والجمع بينهما مما لا عهد به قالُوا منكرين لجوابها، وفي بعض الآثار أنها لما أشارت إليه أن كلموه قالوا: استخفافها بنا أشد من زناها وحاشاها ثم قالوا: كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا قال قتادة: المهد حجر أمه، وقال عكرمة:
المرباة أي المرجحة، وقيل: سريره. وقيل: المكان الذي يستقر عليه. واستشكلت الآية بأن كل من يكلمه الناس كان في المهد صبيا قبل زمان تكليمه فلا يكون محلا للتعجب والإنكار.
وأجاب الزمخشري عن ذلك بوجهين، الأول أن كان الإيقاع مضمون لجملة في زمان ماض مبهم يصلح لقريبه وبعيده وهو هاهنا لقريبه خاصة والدال عليه أن الكلام مسوق للتعجب فيكون المعنى كيف نكلم من كان بالأمس وقريبا منه. من هذا الوقت في المهد وغرضهم من ذلك استمرار حال الصبي به لم يبرح بعد عنه ولو قيل: من هو في المهد لم يكن فيه تلك الوكادة من حيث السابق كالشاهد على ذلك، ومن على هذا موصولة يراد بها عيسى عليه السّلام. الثاني أن يكون نُكَلِّمُ حكاية حال ماضية ومن موصوفة، والمعنى كيف نكلم الموصوفين بأنهم في المهد أي ما كلمناهم إلى الآن حتى نكلم هذا، وفي العدول عن الماضي إلى الحال إفادة التصوير والاستمرار. وهذا كما في الكشف وجه حسن ملائم.
وقال أبو عبيدة: كان زائدة لمجرد التأكيد من غير دلالة على الزمان وصَبِيًّا حال مؤكدة والعامل فيها الاستقرار، فقول ابن الأنباري إن كان نصبت هنا الخبر والزائدة لا تنصبه ليس بشيء، والمعنى كيف نكلم من هو في المهد الآن حال كونه صبيا، وعلى قول من قال: إن كان الزائدة لا تدل على حدث لكنها تدل على زمان ماض مقيد به ما زيدت فيه كالسيرافي لا يندفع الإشكال بالقول بزيادتها.
وقال الزجاج: الأجود أن تكون من شرطية لا موصولة ولا موصوفة أي من كان في المهد فكيف نكلمه وهذا كما يقال كيف أعظ من لا يعمل بموعظتي والماضي بمعنى المستقبل في باب الجزاء فلا إشكال في ذلك، ولا يخفى بعده قالَ استئناف مبني على سؤال نشأ من سياق النظم الكريم كأنه قيل فماذا كان بعد ذلك؟ فقيل: قال عيسى عليه السّلام إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ روي أنه عليه السّلام كان يرضع فلما سمع ما قالوا ترك الرضاع وأقبل عليهم بوجهه واتكأ على يساره وأشار بسبابته فقال ما قال، وقيل إن زكريا عليه السّلام أقبل عليه يستنطقه فقال ذلك وذكر عبوديته لله تعالى أولا لأن الاعتراف بذلك على ما قيل أول مقامات السالكين. وفيه رد على من يزعم ربوبيته، وفي جيع ما قال تنبيه على يراءة أمه لدلالته على الاصطفاء والله سبحانه أجل من أن يصطفي ولد الزنا وذلك من المسلمات عندهم، وفيه من إجلال أمه عليهما السّلام ما ليس في التصريح، وقيل لأنه تعالى لا يخص بولد موصوف بما ذكر إلا مبرأة مصطفاة.