فتذكر فما في العهد من قدم، والأظهر بل الصحيح أن التعريف للجنس جيء به تعريضا باللعنة على متهمي مريم وأعدائها عليها السّلام من اليهود فإنه إذا قال جنس السّلام على خاصة فقد عرض بأن ضده عليكم، ونظيره قوله تعالى:
وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى [طه: ٤٧] يعني أن العذاب على من كذب وتولى، وكان المقام مقام مناكرة وعناد فهو مئنة لنحو هذا من التعريض. والقول بأنه لتعريف العهد خلاف الظاهر بل غير صحيح لا لأن المعهود سلام يحيى عليه الصلاة والسّلام وعينه لا يكون سلاما لعيسى عليه الصلاة والسّلام لجواز أن يكون من قبيل هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ [البقرة: ٢٥] بل لأن هذا الكلام منقطع عن ذلك وجودا وسردا فيكون معهودا غير سابق لفظا ومعنى على أن المقام يقتضي التعريض ويفوت على ذلك التقدير لأن التقابل إنما ينشأ من اختصاص جميع السّلام به عليه كذا في الكشف والاكتفاء في العهد به لصحيحه بذكره في الحكاية لا يخفى حاله وسلام يحيى عليه السّلام قيل لكونه من قول الله تعالى أرجح من هذا السّلام لكونه من قول عيسى عليه السّلام، وقيل هذا أرجح لما فيه من إقامة الله تعالى إياه في ذلك مقام نفسه مع إفادة اختصاص جميع السّلام به عليه السّلام فتأمل.
وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما «يوم ولدت» بتاء التأنيث وإسناد الفعل إلى والدته ذلِكَ إشارة إلى من فصلت نعوته الجليلة، وفيه إشارة إلى علو رتبته وبعد منزلته وامتيازه بتلك المناقب الحميدة عن غيره ونزوله منزلة المحسوس المشاهد. وهو مبتدأ خبره قوله تعالى: عِيسَى وقوله سبحانه: ابْنُ مَرْيَمَ صفة عيسى أو خبر بعد خبر أو بدل أو عطف بيان والأكثرون على الصفة. والمراد ذلك هو عيسى ابن مريم لا ما يصفه النصارى وهو تكذيب لهم على الوجه الأبلغ والمنهاج البرهاني حيث جعل موصوفا بأضداد ما يصفونه كالعبودية لخالقه سبحانه المضادة لكونه عليه السّلام إلها وابنا لله عز وجل فالحصر مستفاد من فحوى الكلام، وقيل: هو مستفاد من تعريف الطرفين بناء على ما ذكره الكرماني من أن تعريفهما مطلقا يفيد الحصر، وهو على ما فيه مخالف لما ذكره أهل المعاني من أن ذلك مخصوص بتعريف المسند باللام أو بإضافته إلى ما هي فيه كتلك آيات الكتاب على ما فيه بعض شروح الكشاف.
وقيل استفادته من التعريف على ما ذكروه أيضا بناء على أن عيسى مؤول بالمعرف باللام أي المسمى بعيسى وهو كما ترى فعليك بالأول.
قَوْلَ الْحَقِّ نصب على المدح، والمراد بالحق الله تعالى وبالقول كلمته تعالى، وأطلقت عليه عليه السّلام بمعنى أنه خلق بقول كن من غير أب، وقيل: نصب على الحال من عيسى، والمراد بالحق والقول ما سمعت.
وقيل: نصب على المصدر أي أقول قول الحق. وقيل: هو مصدر مؤكد لمضمون الجملة منصوب بأحق محذوفا وجوبا. وقال شيخ الإسلام: هو مصدر مؤكد لقال إني عبد الله إلخ وقوله سبحانه ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اعتراض مقرر لمضمون ما قبله وفيه بعد. والْحَقِّ في الأقوال الثلاثة بمعنى الصدق. والإضافة عند جمع بيانية وعند أبي حيان من إضافة الموصوف إلى الصفة.
وقرأ الجمهور «قول» بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو قول الحق الذي لا ريب فيه، والضمير المقدر للكلام السابق أو لتمام القصة. وقيل: صفة لعيسى أو بدل من أو خبر بعد لذلك أهو الخبر وعيسى بدل أو عطف بيان.
والمراد في جميع ذلك كلمة الله تعالى. وقرأ ابن مسعود «قال الحق» . وقال الله برفع «قال» فيهما.
وعن الحسن «قول الحق» بضم القاف واللام. والقول والقال والقول بمعنى واحد كالرهب والرهب والرهب.
ونص أبو حيان على أنها مصادر، وعن ابن السكيت القال وكذا القيل اسم لا مصدر. وقرأ طلحة والأعمش في رواية «قال الحق» برفع لام «قال» على أنه فعل ماض ورفع «الحق» على الفاعلية. وجعل ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ على هذا