فقد أخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير أن جبرائيل عليه السّلام أردفه حتى سمع صرير القلم والتوراة تكتب له
أي كتابة ثانية وإلا ففي الحديث الصحيح الوارد في شأن محاجة آدم وموسى عليهما السّلام أنها كتبت قبل خلق آدم عليه السّلام بأربعين سنة، وخبر رفعه عليه السّلام إلى السماء حتى سمع صرير القلم رواه غير واحد وصححه الحاكم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وعلى ذلك لا يكون المعراج مطلقا مختصا بنبينا صلّى الله عليه وسلّم بل المعراج الأكمل، وقيل معنى نَجِيًّا ناجيا بصدقه، وروى ذلك عن قتادة ولا يخفى بعده.
وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أي من أجل رحمتنا له أَخاهُ أي معاضدة أخيه ومؤازرته إجابة لدعوته بقوله:
وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي [طه: ٢٩، ٣٠] لا نفسه عليه السّلام لأنه كان أكبر من موسى عليه السّلام سنا فوجوده سابق على وجوده وهو مفعول وَهَبْنا وقوله تعالى هارُونَ عطف بيان له، وقوله سبحانه نَبِيًّا حال منه، ويجوز أن تكون من للتبعيض قيل وحينئذ يكون أَخاهُ بدل بعض من كل أو كل من كل أو اشتمال من من، وتعقب بأنها إن كانت اسما مرادفة لبعض فهو خلاف الظاهر وإن كانت حرفا فإبدال الاسم من الحرف مما لم يوجد في كلامهم، وقيل: التقدير وهبنا له شيئا من رحمتنا فأخاه بدل من شيئا المقدر وأنت تعلم أن الظاهر هو كونه مفعولا وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ الظاهر أنه ابن إبراهيم عليهما السّلام كما ذهب إليه الجمهور وهو الحق، وفصل ذكره عن ذكر أبيه وأخيه عليهم السّلام لإبراز كمال الاعتناء بأمره بإيراده مستقلا، وقيل:
إنه إسماعيل بن حز قيل بعثه الله تعالى إلى قومه فسلخوا جلدة رأسه فخيره الله تعالى فيما شاء من عذابهم فاستعفاه ورضي بثوابه سبحانه وفوض أمرهم إليه عز وجل في العفو والعقوبة وروى ذلك الإمامية عن أبي عبد الله رضي الله تعالى عنه
وغالب الظن أنه لا يصح عنه إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ تعليل لموجب الأمر، وإيراده عليه السّلام بهذا الوصف لكمال شهرته بذلك.
وقد جاء في بعض الأخبار أنه وعد رجلا أن يقيم له بمكان فغاب عنه حولا فلما جاءه قال له: ما برحت من مكانك فقال: لا والله ما كنت لأخلف موعدي،
وقيل:
غاب عنه اثني عشر يوما، وعن مقاتل ثلاثة أيام، وعن سهل بن سعد يوما وليلة والأول أشهر ورواه الإمامية أيضا عن أبي عبد الله رضي الله تعالى عنه
وإذا كان هو الذبيح فناهيك في صدقه أنه وعد أباه الصبر على الذبح بقوله: سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ [الصافات: ١٠٢] فوفى.
وقال بعض الأذكياء طال بقاؤه: لا يبعد أن يكون ذلك إشارة إلى هذا الوعد والصدق فيه من أعظم ما يتصور.
وَكانَ رَسُولًا نَبِيًّا الكلام فيه كالكلام في السابق بيد أنهم قالوا هنا: إن فيه دلالة على أن الرسول لا يجب أن يكون صاحب شريعة مستقلة فإن أولاد إبراهيم عليهم السّلام كانوا على شريعته وقد اشتهر خلافه بل اشترط بعضهم فيه أن يكون صاحب كتاب أيضا والحق أنه ليس بلازم، وقيل: إن المراد بكونه صاحب شريعة أن يكون له شريعة بالنسبة إلى المبعوث إليهم وإسماعيل عليه السّلام كذلك لأنه بعث إلى جرهم بشريعة أبيه ولم يبعث إبراهيم عليه السّلام إليهم ولا يخفى ما فيه وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ اشتغالا بالأهم وهو أن يبدأ الرجل بعد تكميل نفسه بتكميل من هو أقرب الناس إليه قال الله تعالى: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [الشعراء: ٢١٤] وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ [طه: ١٣٢] قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً [التحريم: ٦] أو قصدا إلى تكميل الكل بتكميلهم لأنهم قدوة يؤتسى بهم.
وقال الحسن: المراد بأهله أمته (١) لكون النبي بمنزلة الأب لأمته، ويؤيد ذلك أن في مصحف عبد الله وكان يأمر قومه والمراد بالصلاة والزكاة قيل معناهما المشهور، وقيل: المراد بالزكاة مطلق الصدقة، وحكي أنه عليه السّلام كان
(١) وحكى الأزهري عن الكسائي أن النبي الطريق والأنبياء عليهم السّلام طرق الهدى اه منه.