للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يأمر أهله بالصلاة ليلا والصدقة نهارا، وقيل المراد بها تزكية النفس وتطهيرها وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا لاستقامة أقواله وأفعاله وهو اسم مفعول وأصله مرضوو فأعل بقلب واوه ياء لأنها طرف بعد واو ساكنة فاجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء وقلبت الضمة كسرة.

وقرأ ابن أبي عبلة «مرضوا» من غير إعلال، وعن العرب أنهم قالوا: أرض مسنية ومسنوة وهي التي تسقى بالسواني وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ هو نبي قبل نوح وبينهما على ما في المستدرك عن ابن عباس ألف سنة وهو أخنوخ (١) بن يرد بن مهلاييل بن أنوش بن قينان بن شيث بن آدم عليه السّلام، وعن وهب بن منبه أنه جد نوح عليه السّلام، والمشهور أنه جد أبيه فإنه ابن لمك بن متوشلخ بن أخنوخ وهو أول من نظر في النجوم والحساب وجعل الله تعالى ذلك من معجزاته على ما في البحر وأول من خط بالقلم وخاط الثياب ولبس المخط وكان خياطا وكانوا قبل يلبسون الجلود وأول مرسل بعد آدم، وقد أنزل الله تعالى عليه ثلاثين صحيفة وأول من اتخذ الموازين والمكاييل والأسلحة فقاتل بني قابيل،

وعن ابن مسعود أنه الياس بعث إلى قومه أن يقولوا لا إله إلا الله ويعملوا ما شاؤوا فأبوا وأهلكوا

والمعول عليه الأول وإن روي القول بأنه الياس ابن أبي حاتم بسند حسن عن ابن مسعود، وهذا اللفظ سرياني عند الأكثرين وليس مشتقا من الدرس لأن الاشتقاق من غير العربي مما لم يقل به أحد وكونه عربيا مشتقا من ذلك يرده منع صرفه، نعم لا يبعد أن يكون معناه في تلك اللغة قريبا من ذلك فلقب به لكثرة دراسته إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا هو كما تقدم.

وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا هو شرف النبوة والزلفى عند الله تعالى كما روي عن الحسن وإليه ذهب الجبائي وأبو مسلم، وعن أنس وأبي سعيد الخدري وكعب ومجاهد السماء الرابعة، وعن ابن عباس. والضحاك السماء السادسة وفي رواية أخرى عن الحسن الجنة لا شيء أعلا من الجنة، وعن النابغة الجعدي أنه لما أنشد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الشعر الذي آخره:

بلغنا السماء مجدنا وسناؤنا ... وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا

قال عليه الصلاة والسّلام له: إلى أين المظهر يا أبا ليلى؟ قال إلى الجنة يا رسول الله قال: أجل إن شاء الله تعالى.

وعن قتادة أنه عليه السّلام يعبد الله تعالى مع الملائكة عليهم السّلام في السماء السابعة ويرتع تارة في الجنة حيث شاء، وأكثر القائلين برفعه حسا قائلون بأنه حي حيث رفع، وعن مقاتل أنه ميت في السماء وهو قول شاذ. وسبب رفعه على ما

روي عن كعب وغيره أنه مر ذات يوم في حاجة فأصابه وهج الشمس فقال: يا رب إني مشيت يوما في الشمس فأصابني منها ما أصابني فكيف بمن يحملها مسيرة خمسمائة عام في يوم واحد اللهم خفف عنه من ثقلها وحرها فلما أصبح الملك وجد من خفة الشمس وحرها ما لا يعرف فقال: يا رب خلقتني لحمل الشمس فماذا الذي قضيت فيه قال: إن عبدي إدريس سألني أن أخفف عنك حملها وحرها فأجبته قال: يا رب فاجمع بيني وبينه واجعل بيني وبينه خلة فأذن له حتى أتى إدريس ثم إنه طلب منه رفعه إلى السماء فأذن الله تعالى له بذلك فرفعه

،

وأخرج ابن المنذر عن عمر مولى عفرة يرفع الحديث إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن إدريس كان نبيا تقيا زكيا وكان يقسم دهره على نصفين ثلاثة أيام يعلم الناس الخير وأربعة أيام يسيح في الأرض ويعبد الله تعالى مجتهدا وكان يصعد من عمله وحده


(١) أي أمة الإجابة اه منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>