للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بتضليل كل واحد منهما صاحبه بل المقصد تقسيم القول المذكور بالنسبة إليهم فكلمة أَوْ كما في مغني اللبيب للتفصيل والتقسيم لا للترديد فلا غبار- وهود- جمع هائد كعوذ (١) جمع عائذ، وقيل: مصدر يستوي فيه الواحد وغيره، وقيل: إنه مخفف يهود بحذف الياء وهو ضعيف، وعلى القول بالجمعية يكون اسم كانَ مفردا عائدا علي مَنْ باعتبار لفظها، وجمع الخبر باعتبار معناها، وهو كثير في الكلام خلافا لمن منعه، ومنه قوله: وأيقظ من كان منكم نياما وقرأ أبيّ- يهوديا، أو نصرانيا- فحمل الخبر والاسم معا على اللفظ.

تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ الأماني جمع أمنية وهي ما يتمنى- كالأضحوكة والأعجوبة- والجملة معترضة بين قولهم ذلك وطلب الدليل على صحة دعواهم، وتِلْكَ إشارة إلى لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إلخ وجمع الخبر مع أن ما أشير إليه أمنية واحدة ليدل على تردد الأمنية في نفوسهم وتكررها فيها، وقيل: إشعارا بأنها بلغت كل مبلغ لأن الجمع يفيد زيادة الآحاد فيستعمل لمطلق الزيادة وهذا من بديع المجاز ونفائس البيان وقيل: لا حاجة إلى هذا كله بل الجمع لأن تِلْكَ محتوية على أمان- أن لا يدخل الجنة إلا اليهود، وأن لا يدخل الجنة إلا النصارى- وحرمان المسلمين منها، وأيضا فقائله متعدد وهو باعتبار كل قائل أمنية وباعتبار الجميع أمان كثيرة، ومن الناس من جعلها إشارة إلى أن- لا ينزل على المؤمنين خير من ربهم، وأن يردوهم كفارا، وأن لا يدخل الجنة غيرهم- وعليه يكون أمانيهم تغليبا لأن الأولين من قبيل المتمنيات حقيقة والثالث دعوى باطلة، وجوز أيضا أن تكون إشارة إلى ما في الآية على حذف المضاف أي أمثال تلك الأمنية أمانيهم فإن جعل الأماني بمعنى الأكاذيب، فإطلاق الأمنية على دعواهم على سبيل الحقيقة، وإن جعل بمعنى المتمنيات فعلى الاستعارة تشبيها بالمتمنى في الاستحالة، ولا يخفى ما في الوجهين من البعد لا سيما أولهما لأن كل جملة ذكر فيها- ودّهم- لشيء قد انفصلت وكملت واستقلت في النزول فيبعد جدا أن يشار إليها.

قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ أي على ما ادعيتموه من اختصاصكم بدخول الجنة فهو متصل معنى بقوله تعالى: قالُوا لَنْ يَدْخُلَ إلخ على أنه جواب له لا غير، وهاتُوا بمعنى أحضروا والهاء أصلية لا بدل من همزة- آتوا- ولا للتنبيه وهي فعل أمر خلافا لمن زعم أنها اسم فعل أو صوت بمنزلة- ها- وفي مجيء الماضي والمضارع والمصدر من هذه المادة خلاف وأثبت أبو حيان- هاتى يهاتي مهاتاة- والبرهان الدليل على صحة الدعوى، قيل: هو مأخوذ من البرة وهو القطع فتكون النون زائدة، وقيل: من البرهنة وهو البيان فتكون النون أصلية لفقدان فعلن ووجود فعلل ويبنى على هذا الاشتقاق الخلاف في- برهان- إذا سمي به هل ينصرف أو لا؟ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ جواب الشرط محذوف يدل عليه ما قبله ومتعلق الصدق دعواهم السابقة لا- الإيمان- ولا- الأماني- كما قيل، وأفهم التعليق أنه لا بد من البرهان للصادق ليثبت دعواه، وعلل بأن كل قول لا دليل عليه غير ثابت عند الخصم فلا يعتد به، ولذا قيل: من ادعى شيئا بلا شاهد لا بد أن تبطل دعواه، وليس في الآية دليل على منع التقليد فإن دليل المقلد دليله كما لا يخفى، وتفسير الصدق هنا بالصلاح مما لا يدعو إليه سوى فساد الذهن بَلى رد لقولهم الذي زعموه وإثبات لما تضمنه من نفي دخول غيرهم الجنة. والقول بأنه رد لما أشار إليه قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ من نفي أن يكون لهم برهان مما لا وجه له ولا برهان عليه مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ أي انقاد لما قضى الله تعالى وقدر، أو أخلص له نفسه أو قصده فلم يشرك به تعالى غيره، أو لم يقصد سواه فالوجه إما مستعار للذات وتخصيصه بالذكر لأنه أشرف الأعضاء ومعدن


(١) قوله: عوذ هي حديثات النتاج من الظباء والإبل والخيل اهـ منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>