للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحواس. وإما مجاز عن القصد لأن القاصد للشيء مواجه له وَهُوَ مُحْسِنٌ حال من ضمير أَسْلَمَ أي والحال انه محسن في جميع أعماله، وإذا أريد بما تقدم الشرك يؤول المعنى إلى «آمن وعمل الصالحات» وقد فسر النبي صلّى الله عليه وسلّم الإحسان

بقوله: «أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك»

فَلَهُ أَجْرُهُ أي الذي وعد له على ذلك لا الذي يستوجبه كما قاله الزمخشري رعاية لمذهب الاعتزال، والتعبير عما وعد بالأجر إيذانا بقوة ارتباطه بالعمل عِنْدَ رَبِّهِ حال من أجره والعامل فيه معنى الاستقرار، والعندية للتشريف، والمراد عدم الضياع والنقصان، وأتى- بالرب- مضافا إلى ضمير مَنْ أَسْلَمَ إظهارا لمزيد اللطف به وتقريرا لمضمون الجملة، والجملة جواب مَنْ إن كانت شرطية وخبرها إن كانت موصولة والفاء فيها لتضمنها معنى الشرط، وعلى التقديرين يكون الرد بَلى وحده وما بعده كلام مستأنف كأنه قيل إذا بطل ما زعموه فما الحق في ذلك، وجوز أن تكون مَنْ موصولة فاعل ليدخلها محذوفا، وبَلى مع ما بعدها رد لقولهم، ويكون فَلَهُ أَجْرُهُ معطوفا على ذلك المحذوف عطف الاسمية على الفعلية لأن المراد بالأولى التجدد، وبالثانية الثبوت، وقد نص السكاكي بأن الجملتين إذا اختلفتا تجددا وثبوتا يراعى جانب المعنى فيتعاطفان وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ تقدم مثله والجمع في الضمائر الثلاثة باعتبار معنى مَنْ كما أن الإفراد في الضمائر الأول باعتبار اللفظ، ويجوز في مثل هذا العكس إلا أن الأفصح أن يبدأ بالحمل على اللفظ ثم بالحمل على المعنى لتقدم اللفظ عليه في الإفهام.

وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ المراد يهود المدينة ووفد نصارى نجران تماروا عند رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم وتسابوا وأنكرت اليهود الإنجيل ونبوة عيسى عليه السلام وأنكر النصارى التوراة ونبوة موسى عليه السلام. فأل في الموضعين للعهد. وقيل: المراد عامة اليهود وعامة النصارى وهو من الإخبار عن الأمم السالفة، وفيه تقريع لمن بحضرته صلى الله تعالى عليه وسلم وتسلية له عليه الصلاة والسلام إذ كذبوا بالرسل والكتب قبله فأل في الموضعين للجنس، والأول هو المروي في أسباب النزول، وعليه يحتمل أن يكون القائل كل واحد من آحاد الطائفتين وهو الظاهر، ويحتمل أن يكون المراد بذلك رجلين رجل من اليهود يقال له نافع بن حرملة ورجل من نصارى نجران ونسبة ذلك للجميع حيث وقع من بعضهم وهي طريقة معروفة عند العرب في نظمها ونثرها. وهذا بيان لتضليل كل فريق صاحبه بخصوصه إثر بيان تضليله كل من عداه على وجه العموم، وعَلى شَيْءٍ خبر ليس، وهو عند بعض من باب حذف الصفة أي شيء يعتد به في الدين لأنه من المعلوم أن كلّا منهما على شيء، والأولى عدم اعتبار الحذف، وفي ذلك مبالغة عظيمة لأن الشيء- كما يشير إليه كلام سيبويه- ما يصح أن يعلم ويخبر عنه فإذا نفي مطلقا كان ذلك مبالغة في عدم الاعتداد بما هم عليه وصار كقولهم- أقل من لا شيء- وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ حال من الفريقين بجعلهما فاعل فعل واحد لئلا يلزم إعمال عاملين في معمول واحد أي قالوا ذلك وهم عالمون بما في كتبهم الناطقة بخلاف ما يقولون، وفي ذلك توبيخ لهم وإرشاد للمؤمنين إلى أن من كان عالما بالقرآن لا ينبغي أن يقول خلاف ما تضمنه، والمراد من الْكِتابَ الجنس فيصدق على التوراة والإنجيل، وقيل: المراد به التوراة لأن النصارى تمتثلها أيضا.

كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ وهم مشركو العرب في قول الجمهور، وقيل: مشركو قريش، وقيل: هم أمم كانوا قبل اليهود والنصارى، وأما القول بأنهم اليهود وأعيد قولهم مثل قول النصارى ونفي عنهم العلم حيث لم ينتفعوا به فالظاهر أنه قول الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ والكاف من كَذلِكَ في موضع نصب على أنه نعت لمصدر محذوف منصوب ب قالَ مقدم عليه أي قولا مثل قول اليهود والنصارى قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ويكون مِثْلَ قَوْلِهِمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>