للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اتباع الباطل وارتكاب القبيح كما سمي بالعقل. والحجر لعقله وحجره عن ذلك. ويجيء النهي مفردا بمعنى العقل كما في القاموس وهو ظاهر ما روي عن ابن عباس هنا فإنه قال: أي لذوي العقل، وفي رواية أخرى عنه أنه قال: لذوي التقى. ولعله تفسير باللازم.

وأجاز أبو علي أن يكون مصدرا كالهدى والأكثرون على الجمع أي لذوي العقول الناهية عن الأباطيل وتخصيص كونها آيات بهم لأن أوجه دلالتها على شؤونه تعالى لا يعلمها إلا العقلاء ولذا جعل نفعها عائدا إليهم في الحقيقة فقال سبحانه: كُلُوا وَارْعَوْا دون كلوا أنتم والأنعام مِنْها أي من الأرض.

خَلَقْناكُمْ أي في ضمن خلق أبيكم آدم عليه السّلام منها فإن كل فرد من أفراد البشر له حظ من خلقه عليه السّلام إذ لم تكن فطرته البديعة مقصورة على نفسه عليه السّلام بل كانت أنموذجا منطويا على فطرة سائر أفراد الجنس انطواء جماليا مستتبعا لجريان آثارها على الكل فكان خلقه عليه السّلام منها خلقا للكل منها، وقيل: المعنى خلقنا أبدانكم من النطفة المتولدة من الأغذية المتولدة من الأرض بوسائط (١) .

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عطاء الخراساني قال: إن الملك ينطلق فيأخذ من تراب المكان الذي يدفن فيه الشخص فيذره على النطفة فيخلق من التراب والنطفة وَفِيها نُعِيدُكُمْ بالإماتة وتفريق الأجزاء، وهذا وكذا ما بعد مبني على الغالب بناء على أن من الناس من لا يبلى جسده كالأنبياء عليهم الصلاة والسّلام، وإيثار كلمة في على كلمة إلى للدلالة على الاستقرار المديد فيها وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى بتأليف أجزائكم المتفتتة المختلطة بالتراب على الهيئة السابقة ورد الأرواح من مقرها إليها، وكون هذا الإخراج تارة أخرى باعتبار أن خلقهم من الأرض إخراج لهم منها وإن لم يكن على نهج التارة الثانية أو التارة في الأصل اسم للتور الواحد وهو الجريان، ثم أطلق على كل فعلة واحد من الفعلات المتجددة كما مر في المرة، وما ألطف ذكر قوله تعالى: مِنْها خَلَقْناكُمْ إلخ بعد ذكر النبات وإخراجه من الأرض فقد تضمن كل إخراج أجسام لطيفة من الترباء الكثيفة وخروج الأموات أشبه شيء بخروج النبات هذا.

«ومن باب الإشارة في الآيات» طه يا طاهرا بنا هاديا إلينا أو يا طائف كعبة الأحدية في حرم الهوية وهادي الأنفس الزكية إلى المقامات العلية، وقيل: إن ط لكونها بحساب الجمل تسعة وإذا جمع ما انطوت عليه من الأعداد- أعني الواحد والاثنين والثلاثة- وهكذا إلى التسعة بلغ خمسة وأربعين إشارة إلى آدم لأن أعداد حروفه كذلك، وهـ لكونها بحساب الجمل خمسة وما انطوت عليه من الأعداد يبلغ خمسة عشر إشارة إلى حوا بلا همز، والإشارة بمجموع الأمرين إلى أنه صلّى الله عليه وسلّم أبو الخليقة وأمها فكأنه قيل: يا من تكونت منه الخليقة، وقد أشار إلى ذلك العارف بن الفارض قدس سره بقوله على لسان الحقيقة المحمدية:

وإني وإن كنت ابن آدم صورة ... فلي منه معنى شاهد بأبوتي

وقال في ذلك الشيخ عبد الغني النابلسي عليه الرحمة:

طه النبي تكونت من نوره ... كل البرية ثم لو ترك القطا


(١) وذكروا أن التراب الذي خلق منه نبينا صلّى الله عليه وسلّم كان من الكعبة إلا أنه نقل في الطوفان إلى محل قبره الشريف عليه الصلاة والسّلام اه منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>