للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الإبهام، وقيل: المفعول مِنَ الْيَمِّ أي بعض اليم، ويجوز أن يكون الفاعل ضمير الله تعالى شأنه وما مفعول وقيل: هو ضمير فرعون والاسناد مجازي لأنه الذي ورطهم للهلكة، ويبعده الإظهار في قوله تعالى وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ» أي سلك بهم مسلكا أداهم إلى الخسران في الدين والدنيا معا حيث أغرقوا فأدخلوا نارا وَما هَدى أي وما أرشدهم إلى طريق موصل إلى مطلب من المطالب الدينية والدنيوية والمراد بذلك التهكم به كما ذكر غير واحد، واعترض بأن التهكم أن يؤتى بما قصد به ضده استعارة ونحوها نحو إنك لأنت الحليم الرشيد إذا كان الغرض الوصف بضد هذين الوصفين، وكونه لم يهد إخبار عما هو كذلك في الواقع.

وأجيب بأن الأمر كذلك ولكن العرف في مثل ما هدى زيد عمرا ثبوت كون زيد عالما بطريق الهداية مهتديا في نفسه ولكنه لم يهد عمرا وفرعون أضل الضالين في نفسه فكيف يتوهم أنه يهدي غيره، ويحقق ذلك أن الجملة الأولى كافية في الإخبار عن عدم هدايته إياهم بل مع زيادة إضلاله إياهم فإن من لا يهدي قد لا يضل وإذا تحقق إغناؤها في الإخبار على أتم وجه تعين كون الثانية بمعنى سواه وهو التهكم، وقال العلامة الطيبي: توضيح معنى التهكم أن قوله تعالى وَما هَدى من باب التلميح وهو إشارة إلى ادعاء اللعين إرشاد القوم في قوله «وما أهديكم إلا سبيل الرشاد» فهو كمن ادعى دعوى وبالغ فيها فإذا حان وقتها ولم يأت بها قيل له لم تأت بما ادعيت تهكما واستهزاء انتهى، ويعلم مما ذكر المغايرة بين الجملتين وأنه لا تكرير، وقيل: المراد وما هداهم في وقت ما ويحصل بذلك المغايرة لأنه لا دلالة في الجملة الأولى على هذا العموم والأول أولى، وقيل: هدى بمعنى اهتدى أي أضلهم وما اهتدى في نفسه وفيه بعد، وحمل بعضهم الإضلال والهداية على ما يختص بالديني منهما، ويأباه مقام بيان سوقه بجنوده إلى مساق الهلاك الدنيوي. وجعلهما عبارة عن الإضلال في البحر والإنجاء منه مما لا يقبله الطبع المستقيم.

واحتج القاضي بالآية على أنه تعالى ليس خالقا للكفر لأنه تعالى شأنه قد ذم فيها فرعون بإضلاله ومن ذم أحدا بشيء يذم إذا فعله. وأجيب بمنع اطراد ذلك يا بَنِي إِسْرائِيلَ حكاية لما خاطبهم تعالى به بعد إغراق عدوهم وإنجائهم منه لكن لا عقيب ذلك بل بعد ما أفاض عليهم من فنون النعم الدينية والدنيوية ما أفاض.

وقيل: إنشاء خطاب للذين كانوا منهم في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم على معنى أنه تعالى قد من عليهم بما فعل بآبائهم أصالة وبهم تبعا، وتعقب بأنه يرده قوله تعالى «وما أعجلك» إلخ ضرورة استحالة حمله على الإنشاء وكذا السباق فالوجه هو الحكاية بتقدير قلنا عطفا على «أوحينا» أي وقلنا يا بني إسرائيل قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ فرعون وقومه حيث كانوا يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم.

وقرأ حميد «نجّيناكم» بتشديد الجيم من غير همزة قبلها وبنون العظمة. وقرأ حمزة والكسائي والأعمش وطلحة «أنجيتكم» بتاء الضمير وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ بالنصب على أنه صفة المضاف. وقرىء بالجر وخرجه الزمخشري على الجوار نحو- هذا جحر ضب خرب.. وتعقبه أبو حيان بأن الجر المذكور من الشذوذ والقلة بحيث ينبغي أن تخرج القراءة عليه وقال: الصحيح أنه نعت للطور لما فيه من اليمن، وإما لكونه عن يمين من يستقبل الجبل اه.

والحق أن القلة لم تصل إلى حد منع تخريج القراءة لا سيما إذا كانت شاذة على ذلك وتوافق القراءتين يقتضيه، وقوله: وإما لكونه إلخ غير صحيح على تقدير أن يكون الطور هو الجبل ولو قال: وإما لكونه عن يمين من انطلق من مصر إلى الشام لكان صحيحا، ونصب جانِبَ على الظرفية بناء على ما نقل الخفاجي عن الراغب. وابن مالك في شرح التسهيل من أنه سمع نصب جنب وما بمعناه مضاف على الظرفية. ومنع بعضهم ذلك لأنه محدود وجعله منصوبا على

<<  <  ج: ص:  >  >>