للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنه مفعول- واعدنا- على الاتساع أو بتقدير مضاف. أي إتيان جانب إلخ. وإلى هذا ذهب أبو البقاء. وإذا كان ظرفا فالمفعول مقدر أي وواعدناكم بواسطة نبيكم في ذلك الجانب إتيان موسى عليه السلام للمناجاة وإنزال التوراة عليه، ونسبة المواعدة إليهم مع كونها لموسى عليه السلام نظرا إلى ملابستها إياهم وسراية منفعتها إليهم فكأنهم كلهم مواعدون فالمجاز في النسبة. وفي ذلك من إيفاء مقام الامتنان حقه ما فيه.

وقرأ حمزة والمذكورون معه آنفا «وواعدتكم» بتاء الضمير أيضا. وقرىء «ووعدناكم» من الوعد.

وَنَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى الترنجبين والسمانى حيث كان ينزل عليهم المن وهم في التيه مثل الثلج من الفجر إلى الطلوع لكل إنسان صاع ويبعث الجنوب عليهم السمانى فيأخذ الواحد منهم ما يكفيه.

كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ أي من لذائذه أو حلالاته على أن المراد بالطيب ما يستطيبه الطبع أو الشرع.

وجوز أن يراد بالطيبات ما جمعت وصفي اللذة والحل، والجملة مستأنفة مسوقة لبيان إباحة ما ذكر لهم وإتماما للنعمة عليهم، وقرأ من ذكر آنفا «رزقتكم» وقدم سبحانه نعمة الإنجاء من العدو لأنها من باب درء المضار وهو أهم من جلب المنافع ومن ذاق مرارة كيد الأعداء خذلهم الله تعالى ثم أنجاه الله تعالى وجعل كيدهم في نحورهم علم قدر هذه النعمة، نسأل الله تعالى أن يتم نعمه علينا وأن لا يجعل لعدو سبيلا إلينا، وثنى جلّ وعلا بالنعمة الدينية لأنها الأنف في وجه المنافع، وأخر عز وجل النعمة الدنيوية لكونها دون ذلك فتبا لمن يبيع الدين بالدنيا وَلا تَطْغَوْا فِيهِ أي فيما رزقناكم بالإخلال بشكره وتعدي حدود الله تعالى فيه بالسرف والبطر والاستعانة به على معاصي الله تعالى ومنع الحقوق الواجبة فيه، وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أي لا يظلم بعضكم بعضا فيأخذه من صاحبه بغير حق، وقيل: أي لا تدخروا.

وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما «ولا تطغوا» بضم الغين فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي جواب للنهي أي فيلزمكم غضبي ويجب لكم من حل الدين يحل بكسر الحاء إذا وجب أداؤه وأصله من الحلول وهو في الأجسام ثم استعير لغيرها وشاع حتى صارت حقيقة فيه وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى أي هلك وأصله الوقوع من علو كالجبل ثم استعمل في الهلاك للزومه له، وقيل: أي وقع في الهاوية وإليه ذهب الزجاج.

وفي بعض الآثار أن في جهنم قصرا يرمي الكافر من أعلاه فيهوي في جهنم أربعين خريفا قبل أن يبلغ الصلصال فذلك قوله تعالى فَقَدْ هَوى فيكون بمعناه الأصلي إذا أريد به فرد مخصوص منه لا بخصوصه.

وقرأ الكسائي «فيحل» بضم الحاء «ومن يحلل» بضم اللام الأولى وهي قراءة قتادة وأبي حيوة والأعمش وطلحة ووافق ابن عتبة في يَحْلِلْ فضم، وفي الإقناع لأبي على الأهوازي قرأ ابن غزوان عن طلحة «لا يحلنّ عليكم» بنون مشددة وفتح اللام وكسر الحاء وهو من باب لا أرينك هنا، وفي كتاب اللوامح قرأ قتادة وعبد الله بن مسلم بن يسار وابن وثاب والأعمش «فيحل» بضم الياء وكسر الحاء من الإحلال ففاعله ضمير الطغيان، وغَضَبِي مفعوله، وجوز أن يكون هو الفاعل والمفعول محذوف أي العذاب أو نحوه، ومعنى يحل مضموم الحاء ينزل من حل بالبلد إذا نزل كما في الكشاف.

وفي المصباح حل العذاب يحل ويحل هذه وحدها بالكسر والضم والباقي بالكسر فقط، والغضب في البشر ثوران دم القلب عند إرادة الانتقام،

وفي الحديث «اتقوا الغضب فإنه جمرة توقد في قلب ابن آدم ألم تروا إلى انتفاخ أوداجه وحمرة عينيه»

وإذا وصف الله تعالى به لم يرد هذا المعنى قطعا وأريد معنى لائق بشأنه عز شأنه، وقد يراد به

<<  <  ج: ص:  >  >>