للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الانتقام والعقوبة أو إرادتهما نعوذ بالله تعالى من ذلك، ووصف ذلك بالحلو حقيقة على بعض الاحتمالات ومجازا على بعض آخر، وفي الانتصاف أن وصفه بالحلول لا يتأتى على تقدير أن يراد به إرادة العقوبة ويكون ذلك بمنزلة

قوله صلّى الله عليه وسلّم: «ينزل ربنا إلى السماء الدنيا»

على التأويل المعروف أو عبر عن حلول أثر الإرادة بحلولها تعبيرا عن الأثر بالمؤثر كما يقول الناظر إلى عجيب من مخلوقات الله تعالى: انظر إلى قدرة الله تعالى يعني أثر القدرة لا نفسها وَإِنِّي لَغَفَّارٌ كثير المغفرة لِمَنْ تابَ من الشرك على ما روي عن ابن عباس، وقيل: منه ومن المعاصي التي من جملتها الطغيان فيما رزق وَآمَنَ بما يجب الإيمان به. واقتصر ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فيما يروى عنه على ذكر الإيمان بالله تعالى ولعله من باب الاقتصار على الأشرف وإلا فالأفيد إرادة العموم مع ذكر التوبة من الشرك وَعَمِلَ صالِحاً أي عملا مستقيما عند الشرع وهو بحسب الظاهر شامل للفرض والسنة، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما تفسير ذلك بأداء الفرائض ثُمَّ اهْتَدى أي لزم الهدى واستقام عليه إلى الموافاة وهو مروي عن الحبر.

والهدى يحتمل أن يراد به الإيمان، وقد صرح سبحانه بمدح المستقيمين على ذلك في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا [فصلت: ٤١] .

وقال الزمخشري: الاهتداء هو الاستقامة والثبات على الهدى المذكور وهو التوبة والإيمان والعمل الصالح وأيّا ما كان فكلمة ثم إما للتراخي باعتبار الانتهاء لبعده عن أول الانتهاء أو للدلالة على بعد ما بين المرتبتين فإن المداومة أعلى وأعظم من الشروع كما قيل:

لكل إلى شأو العلى وثبات (١) ... ولكن قليل في الرجال ثبات

وقيل: المراد ثم عمل بالسنة، وأخرج سعيد بن منصور عن الحبر أن المراد من اهتدى علم أن لعمله ثوابا يجزى عليه، وروي عنه غير ذلك، وقيل: المراد طهر قلبه من الأخلاق الذميمة. كالعجب والحسد والكبر وغيرها، وقال ابن عطية: الذي يقوى في معنى ثُمَّ اهْتَدى أن يكون ثم حفظ معتقداته من أن تخالف الحق في شيء من الأشياء فإن الاهتداء على هذا الوجه غير الإيمان وغير العمل انتهى، ولا يخفى عليك أن هذا يرجع إلى قولنا ثم استقام على الإيمان بما يجب الإيمان به على الوجه الصحيح،

وروى الإمامية من عدة طرق عن أبي جعفر الباقر رضي الله تعالى عنه أنه قال: ثم اهتدى إلى ولايتنا أهل البيت فو الله لو أن رجلا عبد الله تعالى عمره بين الركن والمقام ثم مات ولم يجىء بولايتنا لأكبه الله تعالى في النار على وجهه.

وأنت تعلم أن ولايتهم وحبهم رضي الله تعالى عنهم مما لا كلام عندنا في وجوبه لكن حمل الاهتداء في الآية على ذلك مع كونها حكاية لما خاطب الله تعالى به بني إسرائيل في زمان موسى عليه السلام مما يستدعي القول بأنه عز وجل أعلم بني إسرائيل بأهل البيت وأوجب عليهم ولا يتهم إذ ذاك ولم يثبت ذلك في صحيح الأخبار.

نعم

روى الإمامية من خبر جارود بن المنذر العبدي أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال له «يا جارود ليلة أسري بي إلي السماء أوحى الله عز وجل إليّ أن سل من أرسلنا قبلك من رسلنا علام بعثوا قلت: علام بعثوا؟ قال: على نبوتك وولاية علي بن أبي طالب والأئمة منكما ثم عرفني الله تعالى بهم بأسمائهم ثم ذكر صلّى الله عليه وسلّم أسماءهم واحدا بعد واحد إلى المهدي

وهو خير طويل يتفجر الكذب منه. ولهم أخبار في هذا المطلب كلها من هذا القبيل فلا فائدة في ذكرها إلا التطويل. والآية تدل على تحقق المغفرة لمن اتصف بمجموع الصفات المذكورة. وقصارى ما يفهم منها عند القائلين بالمفهوم عدم


(١) في نسخة حركات اه منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>