فيسمع له صوت فَقالُوا أي السامري ومن افتتن به أول ما رآه، وقيل: الضمير للسامري، وجيء به ضمير جمع تعظيما لجرمه، وفيه بعد.
هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ أي فغفل عنه موسى وذهب يطلبه في الطور، فضمير نسى لموسى عليه السلام كما روي عن ابن عباس وقتادة والفاء فصيحة أي فاعبدوه والزموا عبادته فقد نسي موسى عليه السلام، وعن ابن عباس أيضا. ومكحول أن الضمير للسامري والنسيان مجاز عن الترك والفاء فصيحة أيضا أي فأظهر السامري النفاق فترك ما كان فيه من أسرار الكفر، والأخبار بذلك على هذا منه تعالى وليس داخلا في حيز القول بخلافه على الوجه الأول. وصنيع بعض المحققين يشعر باختيار الأول ولا يخفى ما في الإتيان باسم الإشارة والمشار إليه بمرأى منهم وتكريرا له، وتخصيص موسى عليه السلام بالذكر وإتيان الفاء من المبالغة في الضلال والأخبار بالإخراج وما بعده حكاية نتيجة فتنة السامري فعلا وقولا من جهته سبحانه قصدا إلى زيادة تقريرها ثم الإنكار عليها لا من جهة القائلين وإلا لقيل فأخرج لنا، والحمل على أن عدولهم إلى ضمير الغيبة لبيان أن الإخراج والقول المذكورين للكل لا للعبدة فقط خلاف الظاهر مع أنه مخل باعتذارهم فإن مخالفة بعضهم للسامري وعدم افتتانهم بتسويله مع كون الإخراج والخطاب لهم مما يهون مخالفته للمعتذرين فافتتانهم بعد أعظم جناية وأكثر شناعة، وأما ما قيل من أن المعتذرين هم الذين لم يعبدوا العجل وأن نسبة الأخلاف إلى أنفسهم وهم برآء منه من قيل قولهم بنو فلان قتلوا فلانا مع أن القاتل واحد منهم كانوا قالوا: ما وجدنا الأخلاف فيما بيننا بأمر كنا نملكه بل تمكنت الشبهة في قلوب العبدة حيث فعل بهم السامري ما فعل فأخرج لهم ما أخرج وقال ما قال فلم نقدر على صرفهم عن ذلك ولم نفارقهم مخافة ازدياد الفتنة فقد قال شيخ الإسلام: إن سياق النظم الكريم وسباقه يقضيان بفساده، وذهب أبو مسلم إلى أن كلام المعتذرين ثم عند قولهم فقذفناها وما بعده من قوله تعالى: فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ إلى آخره أخبار من جهته سبحانه أن السامري فعل كما فعلوا فأخرج لهم إلخ وهو خلاف الظاهر.
هذا وقرأ الأعمش «فنسي» بسكون الياء، وقوله تعالى أَفَلا يَرَوْنَ إلى آخره إنكار وتقبيح من جهته تعالى الضالين والمضلين جميعا وتسفيه لهم فيما أقدموا عليه من المنكر الذي لا يشتبه بطلانه واستحالته على أحد وهو اتخاذ ذلك العجل إلها، ولعمري لو لم يكونوا في البلادة كالبقر لما عبدوه، والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام أي ألا يتفكرون فلا يعلمون أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا أي أنه لا يرجع إليهم كلاما ولا يرد عليهم جوابا بل يخور كسائر العجاجيل فمن هذا شأنه كيف يتوهم أنه إله.
وقرأ الإمام الشافعي وأبو حيوة وأبان وابن صبيح والزعفراني «يرجع» بالنصب على أن أن هي الناصبة لا المخففة من الثقيلة، والرؤية حينئذ بمعنى الإبصار لا العلم بناء على ما ذكره الرضى. وجماعة من أن الناصبة لا تقع بعد أفعال القلوب مما يدل على يقين أو ظن غالب لأنها لكونها للاستقبال تدخل على ما ليس بثابت مستقر فلا يناسب وقوعها بعد ما يدل على يقين ونحوه، والعطف أيضا كما سبق أي ألا ينظرون فلا يبصرون عدم رجعه إليهم قولا من الأقوال، وتعليق الأبصار بما ذكر مع كونه أمرا عدميا للتنبيه على كمال ظهوره المستدعي لمزيد تشنيعهم وتركيك عقولهم، وقيل: إن الناصبة لا تقع بعد رأي البصرية أيضا لأنها تفيد العلم بواسطة إحساس البصر كما في إيضاح المفصل. وأجاز الفراء وابن الأنباري وقوعها بعد إفعال العلم فضلا عن أفعال البصر، وقوله تعالى وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً عطف على لا يَرْجِعُ داخل معه في حيز الرؤية أي فلا يرون أنه لا يقدر على أن يدفع عنهم ضرا ويجلب لهم نفعا أو لا يقدر على أن يضرهم إن لم يعبدوه أو ينفعهم إن عبدوه.