وقوله تعالى وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ مع ما بعد جملة قسمية مؤكدة لما سبق من الإنكار والتشنيع ببيان عتوهم واستعصائهم على الرسول إثر بيان مكابرتهم لقضية العقول أي وباف لقد نصح لهم هارون ونبههم على كنه الأمر من قبل رجوع موسى عليه السلام إليهم وخطابه إياهم بما ذكر من المقالات، وإلى اعتبار المضاف إليه قبل ما ذكر ذهب الواحدي، وقيل: من قبل قول السامري هذا إلهكم وإله موسى كأنه عليه السلام أول ما أبصره حين طلع من الحفيرة تفرس فيهما لافتتان فسارع إلى تحذيرهم، واختاره صاحب الكشف تبعا لشيخه وقال: هو أبلغ وأدل على توبيخهم بالإعراض عن دليل العقل والسمع في «أفلا يرون. ولقد ال» واختار بعضهم الأول وادعى أن الجواب يؤيده، وسيأتي إن شاء الله تعالى الكلام في ذلك.
وجوز العلامة الطيبي في هذه الجملة وجهين كونها معطوفة على قوله تعالى أَفَلا يَرَوْنَ وقال: إن في إيثار المضارع فيه دلالة على استحضار تلك الحالة الفظيعة في ذهن السامع واستدعاء الإنكار عليهم، وكونها في موضع الحال من فاعل يَرَوْنَ مقررة لجهة الإنكار أي أفلا يرون والحال أن هارون نبههم قبل ذلك على كنه الأمر، وقال لهم: يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ أي أوقعتهم في الفتنة بالعجل أو أضللتم على توجيه القصر المستفاد من كلمة إِنَّما في أغلب استعمالاتها إلى نفس الفعل بالقياس إلى مقابله الذي يدعيه القوم لا إلى قيده المذكور بالقياس إلى قيد آخر على معنى إنما فعل بكم الفتنة لا الإرشاد إلى الحق لا على معنى إنما فتنتم بالعجل لا بغيره، وقوله تعالى وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ بكسر همزة إِنَّ عطفا على إِنَّما إلخ إرشاد لهم إلى الحق أثر زجرهم عن الباطل. والتعرض لعنوان الربوبية والرحمة للاعتناء باستمالتهم إلى الحق. وفي ذلك تذكير لتخليصهم من فرعون زمان لم يوجد العجل. وكذا على ما قيل تنبيه على أنهم متى تابوا قبلهم. وتعريف الطرفين لإفادة الحصر أي وإن ربكم المستحق للعبادة هو الرحمن لا غير.
وقرأ الحسن وعيسى وأبو عمرو في رواية «وأن ربكم» بفتح الهمزة، وخرج على أن المصدر المنسبك خبر مبتدأ محذوف أي والأمر أن ربكم الرحمن، والجملة معطوفة على ما مر، وقال أبو حاتم: التقدير ولأن ربكم إلخ وجعل الجار والمجرور متعلقا باتبعوني. وقرأت فرقة «أنما»«وأن ربكم» بفتح الهمزتين، وخرج على لغة سليم حيث يفتحون همزة إن بعد القول مطلقا. والفاء في قوله تعالى: فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي لترتيب ما بعدها على ما قبلها من مضمون الجملتين أي إذا كان الأمر كذلك فاتبعوني وأطيعوا أمري في الثبات على الدين.
وقال ابن عطية: أي فاتبعوني إلى الطور الذي واعدكم الله تعالى إليه. وفيه أنه عليه السلام لم يكن بصدد الذهاب إلى الطور ولم يكن مأمورا به وما واعد الله سبحانه أولئك المفتونين بذهابهم أنفسهم إليه، وقيل:- لا يخلو عن حسن- أي فاتبعوني في الثبات على الحق وأطيعوا أمري هذا وأعرضوا عن التعرض لعبادة ما عرفتم أمره أو كفوا أنفسكم عن اعتقاد ألوهيته وعبادته قالُوا في جواب هارون عليه السلام لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ أي لا نزال على عبادة العجل عاكِفِينَ مقيمين حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى الظاهر من حالهم أنهم لم يجعلوا رجوعه عليه السلام وماذا يقول فيه، وقيل: إنهم علق في أذهانهم قول السامري: هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ فغيوا برجوعه بطريق التعليل والتسويف وأظهروا أنه إذا رجع عليه السلام غاية للعكوف على عبادة العجل على طريق الوعد بتركها لا محالة عند رجوعه بل ليروا ماذا يكون منه عليه السلام يوافقهم على عبادته وحاشاه، وهذا مبني على أن المحاورة بينهم وبين هارون عليه السلام وقعت بعد قول السامري المذكور فيكون مِنْ قَبْلُ على معنى من قبل رجوع موسى، وذكر أن