رواية. وأبي رجاء والكلبي «لنحرقنّه» مخففا من أحرق رباعيا فإن الإحراق شائع فيما يكون بالنار وهذا ظاهر في أنه صار ذا لحم ودم. وكذا ما في مصحف أبي وعبد الله «لنذبحنه ثم لنحرقنه» .
وجوز أبو علي أن يكون نحرق مبالغة في حرق الحديد حرقا بفتح الراء إذا برده بالمبرد. ويؤيده قراءة علي كرم الله تعالى وجه. وحميد وعمرو بن فايد وأبي جعفر في رواية. وكذا ابن عباس رضي الله تعالى عنهما «لنحرقنّه» بفتح النون وسكون الحاء وضم الراء فإن حرق يحرق بالضم مختص بهذا المعنى كما قيل، وهذا ظاهر في أنه لم يصر ذا لحم ودم بل كان باقيا على الجمادية.
وزعم بعضهم أنه لا بعد على تقدير كونه حيا في تحريقه بالمبرد إذ يجوز خلق الحياة في الذهب مع بقائه على الذهبية عند أهل الحق، وقال بعض القائلين بأنه صار حيوانا ذا لحم ودم: إن التحريق بالمبرد كان للعظام وهو كما ترى، وقال النسفي: تفريقه بالمبرد طريق تحريقه بالنار فإنه لا يفرق الذهب إلا بهذا الطريق. وجوز على هذا أن يقال:
إن موسى عليه السلام حرقه بالمبرد ثم أحرقه بالنار. وتعقب بأن النار تذيبه وتجمعه ولا تحرقه وتجعله رمادا فلعل ذلك كان بالحيل الإكسيرية أو نحو ذلك ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ أي لنذرينه. وقرأت فرقة منهم عيسى بضم السين. وقرأ ابن مقسم «لننسفنّه» بضم النون الأولى وفتح الثانية وتشديد السين فِي الْيَمِّ أي في البحر كما أخرج ذلك ابن أبي حاتم عن ابن عباس.
وأخرج عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه فسره بالنهر
، وقوله تعالى نَسْفاً مصدر مؤكد أي لنفعلن به ذلك بحيث لا يبقى منه عين ولا أثر ولا يصادف منه شيء فيؤخذ، ولقد فعل عليه السلام ما أقسم عليه كله كما يشهد به الأمر بالنظر، وإنما لم يصرح به تنبيها على كمال ظهوره واستحالة الخلف في وعده المؤكد باليمين، وفي ذلك زيادة عقوبة للسامري وإظهار لغباوة المفتتنين، وقال في البحر بيانا لسر هذا الفعل: يظهر أنه لما كان قد أخذ السامري القبضة من أثر فرس جبريل عليه السلام وهو داخل البحر ناسب أن ينسف ذلك العجل الذي صاغه من الحلي الذي كان أصله للقبط وألقى فيه القبضة في البحر ليكون ذلك تنبيها على أن ما كان به قيام الحياة آل إلى العدم وألقى في محل ما قامت به الحياة وأن أموال القبط قذفها الله تعالى في البحر لا ينتفع بها كما قذف سبحانه أشخاص مالكيها وغرقهم فيه ولا يخفى ما فيه.
إِنَّما إِلهُكُمُ اللَّهُ استئناف مسوق لتحقيق الحق إثر إبطال الباطل بتلوين الخطاب وتوجيهه إلى الكل أي إنما معبودكم المستحق للعبادة هو الله عز وجل الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وحده من غير أن يشاركه شيء من الأشياء بوجه من الوجوه التي من جملتها أحكام الألوهية. وقرأ طلحة «الله لا إله إلا هو الرحمن الرحيم رب العرش» وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أي وسع علمه كل ما من شأنه أن يعلم فالشيء هنا شامل للموجود والمعدوم وانتصب عِلْماً على التمييز المحول عن الفاعل، والجملة بدل من الصلة كأنه قيل: إنما إلهكم الذي وسع كل شيء علما لا غيره كائنا ما كان فيدخل فيه العجل الذي هو مثل في الغباوة دخولا أوليا.
وقرأ مجاهد. وقتادة «وسّع» بفتح السين مشددة فيكون انتصاب عِلْماً على أنه مفعول ثان، ولما كان في القراءة الأولى فاعلا معنى صح نقله بالتعدية إلى المفعولية كما تقول في خاف زيد عمرا: خوفت زيدا عمرا أي جعلت زيدا يخاف عمرا فيكون المعنى هنا على هذا جعل علمه يسع كل شيء، لكن أنت تعلم أن الكلام ليس على ظاهره لأن علمه سبحانه غير مجعول ولا ينبغي أن يتوهم أن اقتضاء الذات له على تقدير الزيادة جعلا وبهذا تم حديث موسى عليه السلام، وقوله تعالى كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ كلام مستأنف خوطب به النبي صلّى الله عليه وسلّم بطريق الوعد الجميل بتنزيل أمثال ما مر من أنباء الأمم السالفة. والجار والمجرور في موضع الصفة لمصدر مقدر أو الكاف في محل نصب صفة