لذلك المصدر أي نقص عليك مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ من الحوادث الماضية الجارية على الأمم الخالية قصا كائنا كذلك القص المار أو قصا مثل ذلك، والتقديم للقصر المفيد لزيادة التعيين أي كذلك لا ناقصا عنه، ومِنْ في مِنْ أَنْباءِ إما متعلق بمحذوف هو صفة للمفعول أي نقص عليك نبأ أو بعضا كائنا من أنباء.
وجوز أن يكون في حيز النصب على أنه مفعول نَقُصُّ باعتبار مضمونه أي نقص بعض أنباء، وتأخيره عن عَلَيْكَ لما مر غير مرة من الاعتناء بالمقدم والتشويق إلى المؤخر، ويجوز أن يكون كَذلِكَ نَقُصُّ مثل قوله تعالى كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً [البقرة: ١٤٣] على أن الإشارة إلى مصدر الفعل المذكور بعد، وقد مر تحقيق ذلك.
وفائدة هذا القص توفير علمه عليه الصلاة والسلام وتكثير معجزاته وتسليته وتذكرة المستبصرين من أمته صلّى الله عليه وسلّم وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً كتابا منطويا على هذه الأقاصيص والأخبار حقيقا بالتذكر والتفكر فيه والاعتبار، ومِنْ متعلق بآتيناك، وتنكير ذكرا للتفخيم، وتأخيره عن الجار والمجرور لما أن مرجع الإفادة في الجملة كون المؤتى من لدنه تعالى ذكرا عظيما وقرآنا كريما جامعا لكل كمال لا كون ذلك الذكر مؤتى من لدنه عز وجل مع ما فيه من نوع طول بما بعده من الصفة.
وجوز أن يكون الجار والمجرور في موضع الحال من ذِكْراً وليس بذاك، وتفسير الذكر بالقرآن هو الذي ذهب إليه الجمهور وروي عن ابن زيد، وقال مقاتل: أي بيانا ومآله ما ذكر، وقال أبو سهل: أي شرفا وذكرا في الناس، ولا يلائمه قوله تعالى مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ إذ الظاهر أن ضمير عَنْهُ للذكر، والجملة في موضع الصفة له، ولا يحسن وصف الشرف أو الذكر في الناس بذلك، وقيل: الضمير لله تعالى على سبيل الالتفات وهو خلاف الظاهر جدا، ومَنْ إما شرطية أو موصولة أي من أعرض عن الذكر العظيم الشأن المستتبع لسعادة الدارين ولم يؤمن به فَإِنَّهُ أي المعرض عنه يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً أي عقوبة ثقيلة على إعراضه وسائر ذنوبه.
والوزر في الأصل يطلق على معنيين الحمل الثقيل والإثم، وإطلاقه على العقوبة نظرا إلى المعنى الأول على سبيل الاستعارة المصرحة حيث شبهت. الثاني على سبيل المجاز المرسل من حيث إن العقوبة بالحمل الثقيل. ثم استعير لها بقرينة ذكر يوم القيامة، ونظرا إلى المعنى الثاني على سبيل المجاز المرسل من حيث إن العقوبة جزاء الإثم فهي لازمة له أو مسببة، والأول هو الأنسب بقوله تعالى فيما بعد وَساءَ إلخ لأنه ترشيح له، ويؤيده قوله تعالى في آية أخرى وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ [العنكبوت: ١٣] وتفسير الوزر بالإثم وحمل الكلام على حذف المضاف أي عقوبة أو جزاء إثم ليس بذاك. وقرأت فرقة منهم داود بن رفيع «يحمّل» مشدد الميم مبنيا للمفعول لأنه يكلف ذلك لا أنه يحمله طوعا ويكون وِزْراً على هذا مفعولا ثانيا خالِدِينَ فِيهِ أي في الوزر المراد منه العقوبة.
وجوز أن يكون الضمير لمصدر يَحْمِلُ ونصب خالِدِينَ على الحال من المستكن في يَحْمِلُ والجمع بالنظر إلى معنى مَنْ لما أن الخلود في النار مما يتحقق حال اجتماع أهلها كما أن الأفراد فيما سبق من الضمائر الثلاثة بالنظر إلى لفظها وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلًا إنشاء للذم على أن ساء فعل ذم بمعنى بئس وهو أحد معنييه المشهورين، وفاعله على هذا هنا مستتر يعود على حِمْلًا الواقع تمييز الأعلى وزرا لأن فاعل بئس لا يكون إلا ضميرا مبهما يفسره التمييز العائد هو إليه وإن تأخر لأنه من خصائص هذا الباب والمخصوص بالذم محذوف والتقدير ساء حملهم حملا وزرهم، ولام لَهُمْ للبيان كما في «سقيا له» وهَيْتَ لَكَ [يوسف: ٢٣] وهي متعلقة بمحذوف كأنه قيل: لمن يقال هذا؟ فقيل: هو يقال لهم وفي شأنهم وإعادة يَوْمَ الْقِيامَةِ لزيادة التقرير وتهويل الأمر، وجوز أن يكون ساءَ بمعنى أحزن وهو المعنى الآخر من المعنيين والتقدير على ما قيل وأحزنهم الوزر حال كونه حملا لهم.