كل فيها عدم ظمئك على التحقيق انتهى. ويحتاج عليه إلى بيان النكتة في عدم الاقتصار على بيان أن الثابت له عدم الظمأ مطلقا كما فعل مثله في المعطوف عليه فتأمل ولا تغفل.
وقيل: إن الواو وإن كانت نائبة عن إن هنا إلا أنه يلاحظ بعدها لَكَ الموجود بعد أن التي نابت عنها فيكون هناك فاصل ولا يمتنع الدخول معه وهو كما ترى، ولا يخفى عليك أن العطف على قراءة الكسر على أن الأولى مع معموليها لا على اسمها ولا كلام في ذلك فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ أنهى الوسوسة إليه، وهي كما قال الراغب:
الخطرة الرديئة وأصلها من الوسواس وهو صوت الحلي والهمس الخفي، وقال الليث: الوسوسة حديث النفس والفعل وسوس بالبناء للفاعل، ويقال: رجل موسوس بالكسر والفتح لحن.
وذكر غير واحد أن وسوس فعل لازم مأخوذ من الوسوسة وهي حكاية صوت كولولة الثكلى ووعوعة الذئب ووقوقة الدجاجة وإذا عدي بالى ضمن معنى الإنهاء وإذا جيء باللام بعده نحو وسوس له فهي للبيان كما في هَيْتَ لَكَ [يوسف: ٢٣] وقال الزمخشري: للأجل أي وسوس لأجله، وكذا إذا كانت بعد نظائر هذا الفعل نحو قوله:
اجرس (١) لها يا ابن أبي كباش ... فما لها الليلة من أنفاش
وذكر في الأساس وسوس إليه في قسم الحقيقة، وظاهره عدم اعتبار التضمين والكثير على اعتباره.
قالَ إما بدل من (وسوس) أو استئناف وقع جوابا عن سؤال نشأ منه كأنه قيل: فما قال له في وسوسته:
فقيل: قال يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ ناداه باسمه ليكون أقبل عليه وأمكن للاستماع ثم عرض عليه ما عرض على سبيل الاستفهام الذي يشعر بالنصح، ومعنى شجرة الخلد شجرة من أكل منها خلد ولم يمت أصلا سواء كان على حاله أو بأن يكون ملكا لقوله تعالى: إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ [الأعراف: ٢٠] .
وفي البحر أن ما حكي هنا مقدم على ما حكي في الأعراف من قوله تعالى: ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ [الأعراف: ٢٠] إلخ كأن اللعين لما رأى منه عليه السلام نوع إصغاء إلى ما عرض عليه انتقل إلى الأخبار والحصر انتهى، والحق أنه لا جزم بما ذكر وَمُلْكٍ لا يَبْلى أي لا يفنى أو لا يصير باليا خلقا قيل: إن هذا من لوازم الخلود فذكره للتأكيد وزيادة الترغيب فَأَكَلا أي هو وزوجته مِنْها أي من الشجرة التي سماها اللعين شجرة الخلد فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: عريا عن النور الذي كان الله تعالى ألبسهما حتى بدت فروجهما، وفي رواية أخرى عنه أنه كان لباسهما الظفر فلما أصابا الخطيئة نزع عنهما وتركت هذه البقايا في أطراف الأصابع والله تعالى أعلم بصحة ذلك، ثم إن ما ذكر يحتمل أن يكون عقوبة للأكل ويحتمل أن يكون مرتبا عليه لمصلحة أخرى وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ قد مر تفسيره.
وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ بما ذكر من أكل الشجرة فَغَوى ضل عن مطلوبه الذي هو الخلود أو عن المطلوب منه وهو ترك الأكل من الشجرة أو عن الرشد حيث اغتر بقول العدو، وقيل: غوى أي فسد عليه عيشه. ومنه يقال: الغواء لسوء الرضاع. وقرىء «فغوي» بفتح الغين وكسر الواو وفتح الياء أي فبشم من كثرة الأكل من غوي الفصيل إذا اتخم من اللبن وبه فسرت القراءة الأخرى، وتعقب ذلك الزمخشري: فقال وهذا وإن صح على لغة من يقلب الياء المكسور ما قبلها ألفا فيقول في فني وبقي فنا وبقا بالألف وهم بنو طيء تفسير خبيث، وظاهر الآية يدل على أن ما وقع من الكبائر وهو المفهوم من كلام الإمام فإن كان صدوره بعد البعثة تعمدا من غير نسيان ولا تأويل أشكل على ما اتفق عليه
(١) حد لها اه منه.