للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المحققون والأئمة المتقنون من وجوب عصمة الأنبياء عليهم السلام بعد البعثة عن صدور مثل ذلك منهم على ذلك الوجه، ولا يكاد يقول بذلك إلا الأزارقة من الخوارج فإنهم عليهم ما يستحقون جوزوا الكفر عليهم وحاشاهم فما دونه أولى بالتجويز، وإن كان صدوره قبل البعثة كما قال به جمع وقال الإمام: إنه مذهبنا فإن كان تعمدا أشكل على قول أكثر المعتزلة والشيعة بعصمتهم عليهم السلام عن صدور مثل ذلك تعمدا قبل البعثة أيضا.

نعم لا إشكال فيه على ما قاله القاضي أبو بكر من أنه لا يمتنع عقلا ولا سمعا أن يصدر من النبي عليه السلام قبل نبوته معصية مطلقا بل لا يمتنع عقلا إرسال من أسلم بعد كفره، ووافقه على ذلك كما قال الآمدي في أبكار الأفكار أكثر الأصحاب وكثير من المعتزلة وإن كان سهوا كما يدل عليه قوله تعالى: فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً [طه:

٨٨] بناء على أحد القولين فيه أشكل على ما نقل عن الشيعة من منع صدور الكبيرة سهوا قبل البعثة أيضا، ولا إشكال فيه على ما سمعت عن القاضي أبي بكر، وإن كان بعد البعثة سهوا أشكل أيضا عند بعض دون بعض، فقد قال عضد الملة في المواقف إن الأكثرين جوزوا صدور الكبيرة يعني ما عدا الكفر والكذب فيما دلت المعجزة على صدقهم عليهم السلام فيه سهوا وعلى سبيل الخطأ منهم، وقال العلامة الشريف المختار: خلافه، وذهب كثير إلى أن ما وقع صغيرة والأمر عليه هين فإن الصغائر الغير المشعرة بالخسة يجوز على ما ذكره العلامة الثاني في شرح العقائد صدورها منهم عليهم السلام عمدا بعد البعثة عند الجمهور خلافا للجبائي وأتباعه ويجوز صدورها سهوا بالاتفاق لكن المحققون اشترطوا أن ينبهوا على ذلك فينتهوا عنه.

نعم ذكر في شرح المقاصد عصمتهم عن صدور ذلك عمدا. والأحوط نظرا إلى مقام آدم عليهم السلام أن يقال: إن صدور ما ذكر منه كان قبل النبوة وكان سهوا أو عن تأويل إلا أنه عظم الأمر عليه وعظم لديه نظرا إلى علو شأنه ومزيد فضل الله تعالى عليه، وإحسانه وقد شاع حسنات الأبرار سيئات المقربين، ومما يدل على استعظام ذلك منه لعلو شأنه عليه السلام ما أخرجه البيهقي في شعب الإيمان عن أبي عبد الله المغربي قال: تفكر إبراهيم في شأن آدم عليهما السلام فقال: يا رب خلقته بيدك ونفخت فيه من روحك وأسجدت له ملائكتك ثم بذنب واحد ملأت أفواه الناس من ذكر معصيته فأوحى الله تعالى إليه يا إبراهيم أما علمت أن مخالفة الحبيب على الحبيب شديدة.

وذكر بعضهم أن في استعظام ذلك منه عليه الملام زجرا بليغا لأولاده عن أمثاله، وعلى العلات لا ينبغي لأحد أن ينسب إليه العصيان اليوم وأن يخبر بذلك إلا أن يكون تاليا لما تضمن ذلك أو راويا له عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأما أن يكون مبتدئا من قبل نفسه فلا، وقد صرح القاضي أبو بكر بن العربي بعدم جواز نسبة العصيان للآباء الأدنين إلينا المماثلين لنا فكيف يجوز نسبته للأنبياء الأقدام والنبي المقدم الأكرم، وارتضى ذلك القرطبي وادعى أن ابتداء الأخبار بشيء من صفات الله تعالى المتشابهة كاليد والإصبع والنزول أولى بالمنع وعدم الجواز، ثم إن ما وقع كان في الحقيقة بمحض قضاء الله تعالى وقدره، وإلا فقد روي عن أبي أمامة الباهلي والحسن أن عقله عليه السلام مثل عقل جميع ولده وعداوة إبليس عليه اللعنة له عليه السلام في غاية الظهور، وفي ذلك دليل على أنه لا ينفع عقل ولا يغني شيء في جنب تقدير الله تعالى وقضائه ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ أي اصطفاه سبحانه وقربه إليه بالحمل على التوبة والتوفيق لها من اجتبى الشيء جباه لنفسه أي جمعه كقولك: اجتمعته أو من جبى إلى كذا فاجتبيته مثل جليت على العروس فاجتليتها، وأصل معنى الكلمة الجمع فالمجتبى كأنه في الأصل من جمعت فيه المحاسن حتى اختاره غيره وقربه، وفي التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميره عليه السلام مزيد تشريف له عليه السلام فَتابَ عَلَيْهِ أي رجع عليه بالرحمة وقبل توبته حين تاب وذلك حين قال هو وزوجته: رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>