للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتقرير للهداية مع عدم اهتدائهم. وذلِكَ إشارة إلى مضمون قوله تعالى كَمْ أَهْلَكْنا إلخ، وما فيه من معنى البعد للإشعار ببعد منزلته وعلو شأنه في بابه.

لَآياتٍ كثيرة عظيمة ظاهرات الدلالة على الحق، وجوز أن تكون كلمة في تجريدية كما قيل في قوله عز وجل لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب: ٢١] لِأُولِي النُّهى أي لذوي العقول النهاية عن القبائح التي من أقبحها ما يتعاطاه هؤلاء المنكر عليهم من الكفر بآيات الله تعالى والتعامي عنها وغير ذلك من فنون المعاصي.

وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ كلام مستأنف سيق لبيان حكمة عدم وقوع ما يشعر به قوله تعالى أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ الآية من أن يصيبهم مثل ما أصاب القرون المهلكة والكلمة السابقة هي العدة بتأخير عذاب الاستئصال عن هذه الأمة إما إكراما للنبي صلّى الله عليه وسلّم كما يشعر به التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميره صلّى الله عليه وسلّم قوله تعالى وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ [الأنفال: ٣٣] أو لأن من نسلهم من يؤمن أو لحكمة أخرى الله تعالى أعلم بها أي لولا الكلمة السابقة والعدة بتأخير العذاب لَكانَ أي عقاب جناياتهم لِزاماً أي لازما لهؤلاء الكفرة بحيث لا يتأخر عن جناياتهم ساعة لزوم ما نزل بأضرابهم من القرون السالفة، واللزام إما مصدر لازم كالخصام وصف به للمبالغة أو اسم آلة كحزام وركاب والوصف به للمبالغة أيضا كلزاز خصم بمعنى ملح على خصمه.

وجوز أبو البقاء كونه جمع لازم كقيام جمع قائم وهو خلاف الظاهر وَأَجَلٌ مُسَمًّى عطف على كَلِمَةٌ كما أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة والسدي أي لولا العدة بتأخير عذابهم والأجل المسمى لأعمارهم لما تأخر عذابهم أصلا، وفصله عما عطف عليه للمسارعة إلى بيان جواب لولا، والإشعار باستقلال كل منهما بنفي لزوم العذاب ومراعاة فواصل الآي الكريمة، وقيل: أي ولولا أجل مسمى لعذابهم وهو يوم القيامة.

وتعقب بأنه يتحد حينئذ بالكلمة السابقة فلا يصح إدراج استقلال كل منهم بالنفي في عداد نكت الفصل.

وأجيب بأنه لا يلزم من تأخير العذاب عن الدنيا أن يكون له وقت لا يتأخر عنه ولا يتخلف فلا مانع من الاستقلال.

وأخرج ابن المنذر عن مجاهد أن الأجل المسمى هي الكلمة التي سبقت، وقيل: الأجل المسمى للعذاب هو يوم بدر وتعقب بأنه ينافي كون الكلمة هي العدة بتأخير عذاب هذه الأمة. وأجيب بأن المراد من ذلك العذاب هو عذاب الاستئصال ولم يقع يوم بدر وجوز الزمخشري كون العطف على المستكن في كان العائد إلى الأخذ العاجل المفهوم من السياق تنزيلا للفصل بالخبر منزلة التأكيد أي لكان الأخذ العاجل والأجل المسمى لازمين لهم كدأب عاد وثمود وأضرابهم، ولم ينفرد الأجل المسمى دون الأخذ العاجل، وأنت تعلم أن هذا لا يتسنى إذا كان لِزاماً اسم آلة للزوم التثنية حينئذ فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ أي إذا كان الأمر على ما ذكر من أن تأخير عذابهم ليس باهمال بل إمهال وأنه لازم لهم البتة فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ من كلمات الكفر فإن علمه صلّى الله عليه وسلّم بأنهم معذبون لا محالة مما يسليه ويحمله على الصبر، والمراد به عدم الاضطراب لا ترك القتال حتى تكون الآية منسوخة وَسَبِّحْ ملتبسا بِحَمْدِ رَبِّكَ أي صل وأنت حامد لربك عز وجل الذي يبلغك إلى كمالات على هدايته وتوفيقه سبحانه قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ أي صلاة الفجر وَقَبْلَ غُرُوبِها أي صلاة المغرب، والظاهر أن الظرف متعلق بسبح.

وقد أخرج تفسير التسبيح في هذين الوقتين بما ذكر الطبراني وابن عساكر وابن مردويه عن جرير مرفوعا إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم.

وأخرج الحاكم عن فضالة بن وهب الليثي أن النبي عليه الصلاة والسلام قال له: «حافظ على العصرين

<<  <  ج: ص:  >  >>