للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: وما العصران؟ قال: صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها» ،

وقيل: المراد بالتسبيح قبل غروبها صلاتا الظهر والعصر لأن وقت كل منهما قبل غروبها وبعد زوالها وجمعها لمناسبة قوله تعالى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وأنت تعلم أن قبل الغروب وإن كان باعتبار معناه اللغوي صادقا على وقت الظهر ووقت العصر إلا أن الاستعمال الشائع فيه وقت العصر، وقوله تعالى وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ أي من ساعاته جمع إنى وانو بالياء والواو وكسر الهمزة وإنا بالكسر والقصر وآناءِ بالفتح والمد ولم يشتهر اشتهار الثلاثة الأول، وذكره من يوثق به من المفسرين، وقال الراغب في مفراته:

قال الله تعالى غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ [الأحزاب: ٥٣] أي وقته، والإناه إذا كسر أوله قصر وإذا فتح مد نحو قول الحطيئة:

وآنيت العشاء إلى سهيل ... أو الشعرى فطال بي الإناء

ثم قال: ويقال آنيت الشيء إيناء أي أخرته عن أوانه ويانيت تأخرت اه، وفي المصباح آنيته بالفتح والمد أخرته، والاسم أناء بوزن سلام قيل منصوب على الظرفية بمضمر، وقوله سبحانه فَسَبِّحْ عطف عليه أي قم بعض آناء الليل فسبح وهو كما ترى، وقيل: منصوب بسبح على نسق وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ [البقرة: ٤٠] ، والفاء على الأول عاطفة وعلى الثاني مفسرة، وقيل: إنه معمول فَسَبِّحْ، والفاء زائدة فائدتها الدلالة على لزوم ما بعدها لما قبلها.

وذكر الخفاجي أنه معمول لما ذكر من غير حاجة لدعوى زيادة الفاء لأنها لا تمنع عمل ما بعدها فيما قبلها كما صرح به النحاة، والمراد من التسبيح في بعض آناء الليل صلاة المغرب وصلاة العشاء وللاعتناء بشأنهما لم يكتف في الأمر بفعلهما بالفعل السابق بأن يعطف مِنْ آناءِ اللَّيْلِ على أحد الظرفين السابقين من غير ذكر فسبح وللاهتمام بشأن آناء الليل وامتيازها على سائر الأوقات بأمور خاصية وعامية قدم ذكرها على الأمر ولم يسلك بها مسلك ما تقدم.

وقوله تعالى وَأَطْرافَ النَّهارِ عطف على محل قوله سبحانه مِنْ آناءِ اللَّيْلِ وقيل: على قوله عز وجل قَبْلَ طُلُوعِ والمراد من التسبيح أطراف النهار على ما أخرج ابن جرير وابن المنذر وغيرهما عن قتادة صلاة الظهر واختاره الجبائي، ووجه إطلاق الطرف على وقتها بأنه نهاية النصف الأول من النهار وبداية النصف الأخير منه، وجمعه باعتبار النصفين أو لأن تعريف النهار للجنس الشامل لكل نهار فيكون الجمع باعتبار تعدد النهار وأن لكل طرفا كذا قيل. وأورد على ذلك أن البداية والنهاية فيه ليست على وتيرة واحدة لأن كون ذلك نهاية باعتبار أن النصف الأول انتهى عنده وهو خارج عنه وبداية باعتبار أن النصف الثاني ابتدأ منه وهو داخل فيه، ولا شك في بعد كون الجمع بمثل هذا الاعتبار على أنه لا بد مع ذلك من القول بأن أقل الجمع اثنان، وأيضا أن إطلاق الطرف على طرف أحد نصفيه تكلف فإنه ليس طرفا له بل لنصفه.

وقيل: هذا تكرير لصلاتي الصبح والمغرب إيذانا باختصاصهما بمزيد مزية، والمراد بالنهار ما بين طلوع الشمس وغروبها وبالطرف ما يلاصق أول الشيء وآخره، والإتيان بلفظ الجمع مع أن المراد اثنان لا من اللبس إذ النهار ليس له إلا طرفان، ونظيره قول العجاج:

ومهمهين فدفدين مرتين ... ظهراهما مثل ظهور الترسين

والمرجح المشاكلة لآناء الليل، واختار هذا من أدخل الظهر فيما قبل الغروب، وفيه أن الطرف حقيقة فيما ينتهي به الشيء وهو منه ويطلق على أوله وآخره وإطلاقه على الملاصق المذكور ليس بحقيقة، وأجيب بأنه سائغ شائع وإن لم يكن حقيقة وجوز أن يكون تكريرا لصلاتي الصبح والعصر ويراد بالنهار ما بين طلوع الفجر وغروب الشمس وبالطرف الأول، والآخر بحسب العرف وإذا أريد بالنهار ما بين طلوع الشمس وغروبها يبعد هذا التجويز إذ لا يكون

<<  <  ج: ص:  >  >>